السبت، 7 يناير 2017

تعدد الزوجات

بالفعل نجح إعداء الإسلام في تشويه صورة تعدُّد الزوجات، وصار في نظر كثير من الرعاع والطغام والمخدوعين جريمةً في حق المرأة والمجتمع؛ فقلّ عدد المسلمين، وانتشرت الفاحشة، وازدادت العنوسة، وخربت كثير من البيوت بسبب ما يقع من الطلاق الذي سببه إقدام الرجل على التعدد!
اقرأ هذا الكلام الرصين المتين الذي لا يُنكره إلا قلبٌ ملوَّثٌ مريض
قال العلامة الشنقيطي في (أضواء البيان) (ج3 ص22-24|):
ومِن هَدْيِ القرآن للتي هي أقوم: إباحته تعدد الزوجات إلى أربع، وأن الرجل إذا خاف عدم العدل بينهن لزمه الاقتصار على واحدة أو ملك يمينه، كما قال تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم}، ولا شك أن الطريق التي هي أقوم الطرق وأعدلها هي إباحة تعدد الزوجات؛ لأمور محسوسة يعرفها كل العقلاء.
منها: أن المرأة الواحدة تحيض، وتمرض، وتنفس، إلى غير ذلك من العوائق المانعة من قيامها بأخص لوازم الزوجية، والرجل مستعد للتسبب في زيادة الأمة، فلو حُبِس عليها في أحوال أعذارها لعطلت منافعه باطلا في غير ذنب.
ومنها: أن الله أجرى العادة بأن الرجال أقل عددا من النساء في أقطار الدنيا، وأكثر تعرضا لأسباب الموت منهن في جميع ميادين الحياة، فلو قصر الرجل على واحدة، لبقي عدد ضخم من النساء محروما من الزواج؛ فيضطرون إلى ركوب الفاحشة، فالعدول عن هدي القرآن في هذه المسألة من أعظم أسباب ضياع الأخلاق، والانحطاط إلى درجة البهائم في عدم الصيانة والمحافظة على الشرف والمروءة والأخلاق، فسبحان الحكيم الخبير، {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير}.
ومنها: أن الإناث كلهن مستعدات للزواج، وكثير من الرجال لا قدرة لهم على القيام بلوازم الزواج لفقرهم، فالمستعدون للزواج من الرجال أقل من المستعدات له من النساء؛ لأن المرأة لا عائق لها، والرجل يعوقه الفقر وعدم القدرة على لوازم النكاح، فلو قصر الواحد على الواحدة، لضاع كثير من المستعدات للزواج أيضا بعدم وجود أزواج؛ فيكون ذلك سببا لضياع الفضيلة وتفشي الرذيلة، والانحطاط الخلقي، وضياع القيم الإنسانية، كما هو واضح، فإن خاف الرجل ألا يعدل بينهن وجب عليه الاقتصار على واحدة، أو ملك يمينه؛ لأن الله يقول: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}.. الآية، والميل بالتفضيل في الحقوق الشرعية بينهن لا يجوز، لقوله تعالى: {فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة}، أما الميل الطبيعي بمحبة بعضهن أكثر من بعض فهو غير مستطاعٍ دفعُه للبشر؛ لأنه انفعال وتأثر نفساني لا فعل، وهو المراد بقوله: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء} الآية، كما أوضحناه في غير هذا الموضع.
وما يزعمه بعض الملاحدة من أعداء دين الإسلام من أن تعدد الزوجات يلزمه الخصام والشغب الدائم المفضي إلى نكد الحياة، لأنه كلما أرضى إحدى الضرتين سخطت الأخرى، فهو بين سخطتين دائما، وأن هذا ليس من الحكمة؛ فهو كلام ساقط، يظهر سقوطه لكل عاقل؛ لأن الخصام والمشاغبة بين أفراد أهل البيت لا انفكاك عنه ألبتة، فيقع بين الرجل وأمه، وبينه وبين أبيه، وبينه وبين أولاده، وبينه وبين زوجته الواحدة. فهو أمر عادي ليس له كبير شأن، وهو في جنب المصالح العظيمة التي ذكرنا في تعدد الزوجات (من صيانة النساء، وتيسير التزويج لجميعهن، وكثرة عدد الأمة لتقوم بعددها الكثير في وجه أعداء الإسلام) كَلَا شيء؛ لأن المصلحة العظمى يقدم جلبها على دفع المفسدة الصغرى.
فلو فرضنا أن المشاغبة المزعومة في تعدد الزوجات مفسدة، أو أن إيلام قلب الزوجة الأولى بالضرة مفسدة، لقدمت عليها تلك المصالح الراجحة التي ذكرنا، كما هو معروف في الأصول. قال في مراقي السعود عاطفا على ما تلفي فيه المفسدة المرجوحة في جنب المصلحة الراجحة: 
أو رجح الإصلاح كالأسارى ... تفدى بما ينفع للنصارى
وانظر تدلي دوالي العنب ... في كل مشرق وكل مغرب
ففداء الأسارى مصلحة راجحة، ودفع فدائهم النافع للعدو مفسدة مرجوحة، فتقدم عليها المصلحة الراجحة، أما إذا تساوت المصلحة والمفسدة، أو كانت المفسدة أرجح كفداء الأسارى بسلاح يتمكن بسببه العدو من قتل قدر الأسارى أو أكثر من المسلمين - فإن المصلحة تلغى؛ لكونها غير راجحة، كما قال في المراقي:
اخرم مناسبا بمفسد لزم ... للحكم وهو غير مرجوح علم
وكذلك العنب تعصر منه الخمر وهي أم الخبائث، إلا أن مصلحة وجود العنب والزبيب والانتفاع بهما في أقطار الدنيا مصلحة راجحة على مفسدة عصر الخمر منها ألغيت لها تلك المفسدة المرجوحة، واجتماع الرجال والنساء في البلد الواحد قد يكون سببا لحصول الزنى، إلا أن التعاون بين المجتمع من ذكور وإناث مصلحة أرجح من تلك المفسدة، ولذا لم يقل أحد من العلماء إنه يجب عزل النساء في محل مستقل عن الرجال، وأن يجعل عليهن حصن قوي لا يمكن الوصول إليهن معه، وتجعل المفاتيح بيد أمين معروف بالتقى والديانة، كما هو مقرر في الأصول.
فالقرآن أباح تعدد الزوجات لمصلحة المرأة في عدم حرمانها من الزواج، ولمصلحة الرجل بعدم تعطل منافعه في حال قيام العذر بالمرأة الواحدة، ولمصلحة الأمة ليكثر عددها فيمكنها مقاومة عدوها لتكون كلمة الله هي العليا، فهو تشريع حكيم خبير لا يطعن فيه إلا من أعمى الله بصيرته بظلمات الكفر. وتحديد الزوجات بأربع تحديد من حكيم خبير، وهو أمر وسط بين القلة المفضية إلى تعطل بعض منافع الرجل، وبين الكثرة التي هي مظنة عدم القدرة على القيام بلوازم الزوجية للجميع، والعلم عند الله تعالى. انتهى كلامه رحمه الله. ولله دره من عالِمٍ نحرير!
ذات مرة وأنا في الطائرة متوجه إلى مصر؛ كان أمامي رجل وزوجُه وأمه وابنتُه، وكانت ابنته دون السبع سنين، وطيلة انتظارنا تحَرُّكِ الطائرة كانت فرحة بأنها ستسافر إلى مصر، فعندما صعدت الطائرة قليلا نظرَت الطفلة من النافذة فرأت مدينة بعيدة؛ فقالت لوالدها: (هنوووووك مصر ياباتي قريب نوصلولها)! 
فقلت: سبحانه الله! إذَن الجهل المركّب الذي عند كثير من الناس موجود معهم منذ الصِّغَر!
سبحان الله! حال العرب مع لغتهم غريب!
لو أن أحدا استعمل في كلامه معهم كلمات إنجليزية أو فرنسية ينظرون إليه نظر إعجاب.. ولو أن أحدا استعمل كلمات عربية فصيحة نُظِر إليه باستهزاء واستغراب! 
رأيتُ بعيني طفلا يتكلم الإنجليزية وكم كان إغجابهم به.. بينما رأيتُ طفلا آخر أصغر منه ويتكلم العربية الفصحى بطلاقة عجيبة؛ ومع ذلك لم يجد منهم غير السخرية والضحك!
وإذا سألَني أحد عن دراستي الجامعية فقلت له: (في قسم اللغة العربية) تجد منهم من يبادر فيسألك: (إيش تبي فيها اللغة العربية؟ النحو هذا مش عارف كيف عندكم له جو؟)!!
بينما لو قلتَ له: (أنا أدرس اللغة الإنجليزية) لرأيتَ منهم التشجيع والإعجاب!!
من مثل هذا يذوبُ القلبُ مِنْ كَمَدٍ، عندما يرى حال الناس مع لغتهم التي هي من أهم مقوّمات الرفعة والعزة.. إلا من رحم ربك وقليلٌ ما هًم.
إنا لله وإنا إليه راجعون
من الواجب عند دعوة الناس إلى السنّة والتديُّن -وخصوصا في بلادنا- أن نعلّمهم أن (ملتزم) أو(سلفي) لا تساوي (مفتي) أو (عالِم)، ونغرس فيهم هذا الأمر؛ حتى لا يحصل معهم ما حصل مع كثير من الناس ممن نشؤوا عوامًّا ثم بعد التزامهم بأسبوع أو شهر أو نحو ذلك صاروا يتصدرون مجالس العوام فيتصدَّوْن للفتيا ويتكلمون في أمورٍ أكبر من رؤوسهم!
هذه المرحلة خطيرة، وقد تؤدي ببعض الناس إلى التعالُم والتعاظُم فيصعُب علاجُه، فلا بد أن يُربّى الناس -من أوّل دعوتهم إلى السنة- إلى عدم التجرؤ على الفتيا، وعدم الكلام فيما لا يحسن، وعدم الخوض في دين الله بغير علم، وعدم التصدر للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بعد معرفة ما يتعلق بهما من أحكام، وأن يلزم حدوده ولا يتشبع بما لم يُعطَ.
اللهم ارزقنا الهداية في الدين والدنيا، واجعلنا ممن يعرف قدره فلا يتعداه، وأعذنا من القول عليك بلا علم.

طلاب مواقع التواصل!

قديما قليل: (من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه)
معلوم أن هذه العبارة ليست على أطلاقها، وأن في الأمر تفصيلا
ولكن إذا كان هذا حال من شيخُه كتابُه
فما بالك بحال من كان شيخه فيس بوك أو واتساب أو تويتر!
في هذا الكمّ الكبير من النصوص المحرّفة، والمصحّفة، بل والمبتورة، والمنزوعة عن سياقاتها، والمكذوبة المختلَقة! تُرى كيف سيكون حالُ مِثْلِ هذا؟!
نسأل الله السلامة!