الخميس، 17 ديسمبر 2015

اختَلف المعلِّمون في زماننا في تعيينِ أفضلٍ تفسيرٍ يبدأ به طالبُ علمِ التفسير, وكلٌّ فريقٍ له رأْيُه ووجهةُ نظَرِه, ولكننا إذا نظرنا إلى المعطَيَات التي أمامنا نجد أن أنْسَبَ تفسيرٍ مِن بين تلك التفاسير هو "التفسير الميسّر" الذي أعدّه نخبةٌ مِن المتخصصين في التفسير وقام بطبعه مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف؛ إذْ إنه جَمَعَ مِن المزايا ما يلي:
- أنه مِن تأليفِ جماعةٍ وليس عملًا فرديًّا, بالإضافةِ إلى أنه بعد انتهاء اللجنة مِن تأليفِه تَم عرضُه على عدة لجانٍ للمراجعة, ثم بعد صدور طبعتِه الأولى قام بمراجعتِه عددٌ من المتخصصين وأرسَلوا ملاحظاتهم إلى اللجنة القائمة عليه وقامت اللجنة بالنظر في هذه الملاحظات واعتماد ما له وَجهٌ مِنها.
- أنه يقدَّمُ فيه ما صح مِن التفسير بالمأثور على غيرِه.
- أن مؤلفيه تَحَرَّوا الصحة فيما يورِدُونه ويعتمدونه.
- أنه على منهج السلف في العقيدة.
- أنه على قولٍ واحدٍ, إلا إن احتمل اللفظ معنَيَيْن دون رجحان إحدِهما.
- الاختصار.
- سهولة العبارة ووضوحها ودقّة الألفاظ -قدر الإمكان-.
- عدم التعرض للمسائل النحوية والصرفية والبلاغية ونحو ذلك.
- تركيزه على إيضاح المعنى المراد من كلام الله، وهذا هو صلب علم التفسير، وهو أول ما يهم طالب التفسير.
- شرح الآيات بطريقةٍ جميلةٍ وسلِسةٍ, بحيثُ يستطيع القارئ معها فهمَ المعنى الإجمالي ومعاني المفردات في آنٍ واحدٍ, ومَن يطالِع الكتاب سيفهم مرادي -إن شاء الله-.
- بيان معاني الألفاظ الغريبة أثناء التفسير.
- ربط معنى الآية بما قبلها إذا كان الفهم متوقفا على هذا الربط.
- المعنى فيه مساوٍ للآية, وأما الزيادة الواردة في آياتٍ اُخر فإنها تُجتَنَبُ كي تفسّر في مواضعها.
- إيراد معنى الآية مباشرة دون إيراد الأخبار -إلا فيما دعت إليه الضرورة-.

هذه هي المزايا التي ذَكَرَها مَن تحدَّثَ عن هذا الكتاب, وأكثرُها مستقى مِن مقدمة فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ -حفظه الله- للكتاب.
نعم هناك ملاحظاتٌ على الكتاب مِن حيثُ عدمُ ذكْرِهِ أسبابَ النزول واختلافَ القراءات ومسائلَ تتعلق بآيات الأحكام وغيرَ ذلك مِن الملاحظات, ولكننا عند مقارنته بغيره مِن الكتب المقترَحة للمبتدئين نجد أنه مِن أفضلِ ما يُمكن أن يبتدئ به طالبُ التفسير؛ إذ إنه يكسِبُ الطالبَ تصَوُّرًا عامًّا لِمَعاني كتاب الله -سبحانه وتعالى-, ويجعل عنده أساسًا جيّدًا يبني عليه وينطلق منه للقراءة في كتب التفسير الأكثر تفصيلًا. 
مع ملاحظة أنّ عليكَ أن تقتني الطبعة المعدّلة مِن الكتاب, وهي التي أشرف عليها الشيخ صالح آل الشيخ, وهذا هو أول إصداراتها -فيما أعلم-: http://publications-...x.gov.sa/?p=139
وقد صدَرَت بعد هذه الطبعة طبعات أُخرى, وأنت كلّما اقتنيتَ طبعةً أحدث كلما كان أفضل لك.

هذا ما خرجتُ به بعد البحث. والله أعلم.
وأرجو ممن عنده فائدة بهذا الخصوص ألا يبخل علينا بها, فأنا ما كتبتث هذا الموضوع إلا للفائدة لي أو لغيري.

كتبٌ في أصول الفقه أُلِّفَت على الطريقة السلفية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حق الحمد وأوفاه, والصلاة والسلام على نبيه ومصطفاه محمد بن عبد الله, وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فإنني منذ أن بدأتُ في طلب العلم وأنا أحرص بشِدّةٍ على تتبُّعِ وجمعِ الفوائد والمعلومات التي تمرّ بي مما يتعلق بالكتب عموما, وكان فيما جمعتُ: فوائد تتعلق بكتبِ أصول الفقه, وقد أحببتُ أن أفيد روّادَ منتدانا بنشر طائفةٍ من هذه الفوائد المعلومات مما يتعلق بالجانب العقائدي, سائلا المولى -تبارك وتعالى- أن يعمّ نفعُها.

فصلٌ في ذكر كتبٍ أُلِّفَت على الطريقة السلفية:
1- "الرسالة" للإمام العَلَم محمد بن إدريس الشافعي المطَّلبي -رحمه الله-.
2- "تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول" وشرحه: "التحبير"؛ كلاهما للعلامة علاء الدين علي بن سليمان المرداوي المقدسي الحنبلي -رحمه الله-.
قال الشيخ صلاح كنتوش العدني -حفظه الله-: "[المرداوي] من علماء أهل السنة, [وكتابُه] من الكتب التي يثق بها أهل السنة إلا في مواضع يسيرة كنت قد نبهت عليها في كتابي: "التحفة الندية في طبقات الأصوليين العقائدية" " اهـ.
3- "الكوكب المنير " (المسمى: "مختصر التحرير"), و"شرحه"؛ كلاهما للعلامة محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي المعروف بـ:"ابن النجار" -رحمه الله-.
قال الشيخ صلاح كنتوش: "[الإمام ابن النجار] من أهل السنة -ولله الحمد-, إلا مواضع نبه عليها أهل العلم منهم العلامة العثيمين -رحمه الله-, وقد ذكرت شيئا منها في ترجمته من: "التحفة الندية في طبقات الأصوليين العقائدية" ". اهـ
وقال الشيخ سليمان الرحيلي -حفظه الله-: "...فإن قال قائل: اذكر لي كتابًا أقرؤه؛ أنا لا أريد أن أكون ماهرًا في أصول الفقه؛ أريد كتابًا أعرف به أصول الفقه.
أقول: عليك بكتاب: "شرح الكوكب المنير" لابن النجار الحنبلي؛ لأن هذا الكتاب جمع مزايا: 
منها: أنه -كما يقولون- موسوعي؛ ففيه آراء أصولية كثيرة، لأنه -كما قلت لكم- اعتمد على شرح البرماوي لـ"الألفية"، والبرماوي اعتمد على "البحر المحيط" للزركشي. فهو كتاب موسوعي.
والأمر الثاني: أن مؤلفه ابن النجار سلفي العقيدة؛ ولذلك تقريراته موافقة لعقيدة السلف إلا ما دخل عليه وهو لا يشعر. وهذه مشكلة أصول الفقه، أنه قد يدخل على الكاتب ما لا يشعر به..., فحتى فطاحل العلماء -كابن السمعاني، وابن النجار الحنبلي- دخل عليهم الدخيل في أصول الفقه، أما ابن النجار فأقول: بدون أن يشعر. فلا أقول إن الكتاب -أعني: "شرح الكوكب المنير"- قد سلم في جميع مباحثه، ولكن مؤلفه سلفي العقيدة، وتقريره في الكتاب تقرير سلفي (يعني: ليس مخالفًا لعقيدة السلف), إلا في بعض المباحث وهو لا يشعر.
ولذلك من أراد كتابًا في أصول الفقه يقتنيه ويقرؤه فإنا نوصي بكتاب: "شرح الكوكب المنير" لابن النجار الحنبلي، فمن وجده فإنه يعرف أصول الفقه. ومن أراد المهارة في أصول الفقه فعليه بما ذكرناه وأشرنا إليه (يعني: الكتب التي ذكَرَها في درسه, وهي ما عنْوَنَ لها بـ:"المكتبة الأصولية المصغَّرة")" اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: ""مختصر التحرير" للفتوحي مِن أحسن ما أُلِّفَ في علم أصول الفقه, بل مِن أجمع ما ألف فيه, وهذا المختصر كتابٌ صغير, لكنه -في الحقيقة- خلاصة ما قاله الأصوليون في أصول الفقه, فالذي يحفظه عن ظهر فلب ويعرف معناه سيكون أصوليا بالمعنى الحقيقي" اهـ بتصرف يسير.
4- "قواطع الأدلة" للعلامة أبي المظفر منصور بن محمد السمعاني الشافعي -رحمه الله-.
قال الشيخ صلاح كنتوش: "هو -بحق- من أفضل ما كتب في أصول الفقه, والمصنِّف من أهل السنة" اهـ.
وقال الشيخ سليمان الرحيلي: "هذا الكتاب من أجلّ كتب الشافعية، وفيه –في الحقيقة- ميزات, منها: أن أبا المظفر السمعاني حافظٌ من الحفاظ، وظَهَرَ هذا في الكتاب؛ فالرواية والذَّب عن السنة بارزة في الكتاب.
ومنها: قلة الأخطاء العقدية -ولا أقول: لا توجد أخطاء عقدية؛ بل فيه أخطاء عقدية، ووافق الأشاعرة في بعض المسائل، ولكن الأخطاء العقدية فيه قليلة بالنسبة لغيره-.
ومن ميزات هذا الكتاب: أن صاحبه كان حنفيًا ثم أصبح شافعيًا، فإذا ناقش الحنفية فإنه يناقشهم مناقشة الخبير بالمذهب... .
فهذا الكتاب كتاب في الحقيقة متميز جدًا؛ ولذلك أثنى عليه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -؛ أثنى على كتابة ابن السمعاني في أصول الفقه؛ لما ذكرته من أمور. وهو كتاب يوصى باقتنائه من كتب الشافعية" اهـ. وانظر ما نقلتُه عن الشيخ آنفا حول "الكوكب المنير".
5- "التمهيد في أصول الفقه" للعلامة أبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكَلْوَذَاني الحنبلي -رحمه الله-
قال الشيخ صلاح كنتوش: "[الإمام أبو الخطاب] هو -أيضا- من علماء أهل السنة, وكتابه هذا مصنف على طريقتهم -أعني: أهل السنة-, إلا في مواضع يسيرة ذكرت شيئا منها في ترجمته من: "الطبقات"" اهـ.
6- "المسوَّدة" لآل تيمية -رحمهم الله-, وقد جمعه شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد الحراني الدمشقي الحنبلي -رحمه الله-.
7- "نزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر" للعلامة عبد القادر بن أحمد بن بدران الدمشقي الحنبلي -رحمه الله-.
قال الشيخ صلاح كنتوش: "الإمام ابن بدران من أهل السنة -ولله الحمد-, والكتاب مأمون من الزلل إلا في موضع أو موضعين نبه عليهما أهل العلم" . اهـ بتصرف يسير
8- "البلبل في أصول الفقه (مختصر الروضة)" و"شرحه"؛ كلاهما للعلامة نجم الدين سليمان بن عبد القوي الطوفي الحنبلي -رحمه الله-.
قال الشيخ صلاح: "وهذا الكتاب -أيضا- مصنف على طريقة أهل السنة, وإن كان الطوفي قد تُكُلِّم في معتقده؛ إلا أنه في هذا الكتاب لم يذكر إلا ما عليه أهل السنة, ويقرره ويدافع عنه, والله المستعان" اهـ.
9- "العدة في أصول الفقه" للعلامة القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء البغدادي الحنبلي -رحمه الله-.
قال الشيخ صلاح: "وهو -أيضا- قريب من طريقة أبي الخطاب الحنبلي. وأبو يعلى شيخ أبي الخطاب, وعنه نقل أبو الخطاب كثيرا في كتابه: "التمهيد", وهو قد حصل له بعض الزلل في المعتقد بينتُه في "الطبقات" " اهـ.
10- "الفقيه والمتفقه" للإمام الحافظ الخطيب أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي الشافعي -رحمه الله-.
والخطيب البغدادي من أئمة السنة. قال الشيخ صلاح: "الخطيب معروف أنه من أعلام أئمة السنة, وكتابه هذا قريب من طريقة الغمام الشافعي -رحمه الله-, غير أنه [-أي: الخطيب-] أقرّ بوجود المجاز في الشرع على طريقة المتأخرين من الأصوليين, وقد بينت شيئا من ذلك في ترجمته". اهـ بتصرف يسير.
11- "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لشيخ الإسلام ابن قيم الجوزية -رحمه الله-.
فقد تضمَّن عدة مباحث أصولية.
قال الشيخ علي الرازحي: "وقد جمع أبو عبد الرحمن عبد المجيد [جمعة] الجزائري -وفقه الله- "اختيارات ابن القيم الأصولية" في مجلدين؛ فأجاد وأفاد, وصار كالمصنَّف المستقل عن ابن القيم في أصول الفقه" اهـ.
12- جامع بيان العلم وفضله" للإمام ابن عبد البر يوسف بن عبد الله القرطبي المالكي -رحمه الله-.
قال الشيخ الرازحي: "تضمن البحث فيه أمرين:
الأول- فضل العلم وآداب العالم والمتعلم.
الثاني - مباحث أصولية" اهـ.
13- "الرسالة اللطيفة في أصول الفقه" للعلامة ابن سعدي -رحمه الله-.
14- "وسيلة الحصول إلى مهمات الأصول" للعلامة حافظ الحكمي -رحمه الله-.
15- "مذكرة أصول الفقه", و"نثر الورود على مراقي الصعود"؛ كلاهما للعلامة محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-.
16- "الأصول من علم الأصول", و"شرحه", و"منظومة أصول الفقه وقواعده" ثلاثتها للعلامة ابن عثيمين -رحمه الله-.
17- تسهيل الوصول إلى فهم علم الأصول" للعلامة عبد المحسن العباد -حفظه الله - وزميليه, وراجعه العلامة عبد الرزاق عفيفي -رحمه الله-.
18- "المنحة الرضية في شرح التحفة المرضية في نظم المسائل الأصولية على طريقة أهل السنة السَّنِية" للعلامة محمد بن علي بن آدم الإثيوبي -حفظه الله-.
هذا ما تيسر لي جمعه من العناوين تحت الفصل المذكور. وأسأل الله أن يمن عليّ بالمزيد؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وأختم بهذه النصيحة العامة:
قال الشيخ سليمان الرحيلي: "إن الذي يقرأ في أصول الفقه ينبغي عليه أن يكون عنده زاد من عقيدة السلف، يأمن به الزلل، أو يقرأ في الكتب التي عنيت بالتحرير لهذه المسائل، مثل كتاب: "المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين" للعروسي؛ فهذا الكتاب عُني بتحرير المسائل التي فيها زلل, واعتمد على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله– كثيرًا.
وأيضًا كتاب: "مباحث أصول الدين المبحوثة في أصول الفقه" لخالد عبد اللطيف؛ فقد جمع المباحث العقدية في أصول الفقه وعَرَضَهَا على عقيدة أهل السنة والجماعة، وإن لم يُحِطْ بها لكنه كَتَبَ كتابةً طيبةً نافعة، فمن قرأها فإنه يستفيد.
وأيضا "المذكرة" للشيخ الأمين الشنقيطي -مذكرة أصول الفقه-؛ فإن الشيخ عُني بهذا الباب عناية طيبة.
وكما قلت: القراءة في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله–؛ فقد اعتنى شيخ الإسلام -لاسيما في "مجموع الفتاوى"- بهذا الباب عناية طيبة جدًا، ونقح أصول الفقه، وانتقد فيه ما أُدخِل فيه من عقائد وأصول تخالف ما عليه أهل السنة والجماعة.
وقد كتبت فيه هذا أبحاثًا, منها: "مباحث الأمر الأصولية التي انتقدها شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى""، و"مباحث الكتاب والسنة ودلالات الألفاظ التي أخطأ فيها الرازي في "المحصول" و"المعالم""، و"نقد شيخ الإسلام ابن تيمية لمسألة تكليف ما لا يطاق"، وقريبًا -إن شاء الله- سيخرج "نقد شيخ الإسلام ابن تيمية للمسائل الأصولية المتعلقة بالقياس والإجماع".
وهذا كله -في الحقيقة- مستفاد من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وموثق من كتب أهل العلم. " اهـ.
وأزيد على ما ذكر:
1- كتاب: "أخطاء الأصوليين في العقيدة" للشيخ صلاح كنتوش العدَني؛ فإنه كتاب ماتعٌ نافعٌ, تحدّث فيه عن الكثير من مزالق الأصوليين في العقيدة وبعض مسائل الأصول.
2- كتاب: "التحفة الندية في طبقات الأصوليين العقائدية" للشيخ صلاح كنتوش -أيضا-؛ يذكر فيه تحت التراجم ما تيسر له من أخطاء صاحب الترجمة. 
3- كتاب: "مبادئ علم الأصول" للشيخ علي بن أحمد الرازحي, تحدّث فيه عن جملة من مزالق الأصوليين. 

والحمد لله رب العالمين, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


كتبه 
علي المالكي


شبهة يلقيها أهل القراءة بالمقامات الموسيقية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
فإن من الشُّبَه التي يروِّجها الذين يقرؤون بالمقامات الموسيقية: قولهم: "إن كل من قرأ القرآن متغنِّياً به فإنه لا بد أن يوافق مقاماً من المقامات - شاء أم أبى -".
ولكن هذه الشبهة لا تنطلي إلا عند عدم العلم بحقيقة الأمر
إذْ إنَّ أزمنة علم التجويد تختلف عن أزمة المقامات, فكل مَن قرأ بالمقامات بأزمنتها مطبِّقاً لها بحذافيرها فإنه سيخل بأزمنة التجويد ولابد, وإلا لانكسَر منه المقام (وهذا ما يسمونه بـ"النَّشَاز").
ومن أمثلة الأخطاء التي تحدث عندما يُغَلَّب الزمن النغمي على الزمن التجويدي:
1- تطويل أو تقصير أزمنة المدود والغنن عن حدها.
2- إشباع بعض الحركات حتى تتولد منها حروف مد من جنسها.
3- اختلاس زمن الحركات في غير محله.
4- تطويل زمن الحرف الرخو الساكن أو البيني الساكن عن حده المطلوب.

أخي القارئ...
من المعلوم أن القرآن ليس بالشعر
ولكن لو أتينا إلى قوله تعالى: (الحمد لله الذي هدانا) نجد أنه موزون عروضياً على صدر أو عجز بيت من بحر الرجز
ومثله قوله تعالى: (إنا إذاً لفي ضلال وسُعُر)
وكذلك لو أتينا إلى قوله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) نجد أنه موزون
فهل وجود هذه المقاطع وأمثالِها في القرآن يجعلنا نقول بأن القرآن شعر؟!
حاشا وكلا
الشعر شيء قائم بذاته يتألف من أبيات لها صدر وعجز ولها قافية وموزونة بأوزان معينة ....

كذلك الأمر بالنسبة لأزمنة التجويد وأزمنة المقامات
هل مَن قرأ القرآن فوافق عند قراءتِه لمقطع قرآني معيَّنٍ مقامَ النهاوند مثلاً؛ هل يقال إنه قرأ بالنهاوند؟!
الإجابة لك
مقام النهاوند مقام له أوزانه وأزمنته وأحكامه الخاصة, لو عرضنا تلاوة ذلك القارئ عليها لَوَجَدْنا أنه في الواقع لم يقرأ بالنهاوند, إنما وافقه في مقطع معين ثم خالفه
وهكذا يقال في بقية المقامات

هل رأيتم كيف أن هذه شبهة واهية؟

وأختم بهذا الكلام القيم للإمام ابن القيم رحمه الله, قال في زاد المعاد – بعد أن عرض الخلاف في هذه المسألة -:
((وفصل النزاع، أن يقال: التطريب والتغنِّي على وجهين، أحدهما: ما اقتضته الطبيعة، وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين ولا تعليم، بل إذا خُلّي وطبعه، واسترسلت طبيعته، جاءت بذلك التطريب والتلحين، فذلك جائز، وإن أعان طبيعتَه بفضلِ تزيين وتحسين، كما قال أبو موسى الأشعري للنبي صلى الله عليه وسلم: "لَو علمتُ أنّكَ تَسمَع لَحَبَّرْتُه لَكَ تحبِيراً", والحزين ومَن هاجه الطرب والحبُ والشوق لا يملك من نفسه دفعَ التحزين والتطريب في القراءة، ولكن النفوسَ تقبلُه وتستحليه لموافقته الطبع وعدم التكلف والتصنع فيه، فهو مطبوع لا متطبِّع، وكَلفٌ لا متكلَف، فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه، وهو التغني الممدوح المحمود، وهو الذي يتأثر به التالي والسامعُ، وعلى هذا الوجه تُحمل أدلة أرباب هذا القول كلها.
الوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعةً من الصنائع، وليس في الطبع السماحة به، بل لا يحصُل إلا بتكلُّف وتصنُّع وتمرُّن، كما يتعلم أصوات الغِناء بأنواع الألحان البسيطة، والمركبة على إيقاعات مخصوصة، وأوزانٍ مخترعة، لا تحصل إلا بالتعلُم والتكلف، فهذه هي التي كرهها السلفُ، وعابوها، وذمّوها، ومنعوا القراءةَ بها، وأنكروا على من قرأ بها، وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه، وبهذا التفصيل يزول الاشتباهُ، ويتبين الصوابُ من غيره، وكلُّ من له علم بأحوال السلف، يعلم قطعاً أنهم بُرآء من القراءة بألحان الموسيقى المتكلفة، التي هي إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة، وأنهم أتقى للّه من أن يقرؤوا بها، ويُسوّغوها، ويعلم قطعاً أنهم كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب، ويحسِّنون أصواتَهم بالقرآن، ويقرؤونه بِشجىً تارة، وبِطَربِ تارة، وبِشوْق تارة، وهذا أمر مركوز في الطباع تقاضيه، ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي الطباع له، بل أرشد إليه وندب إليه، وأخبر عن استماع اللّه لمن قرأ به، وقال: "لَيْسَ مِنَّا مَن لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقرآنِ" وفيه وجهان: أحدهما: أنه إخبار بالواقع الذي كلُّنا نفعله، والثاني: أنه نفي لهدي من لم يفعله عن هديه وطريقته صلى الله عليه وسلم)) اهـ.

الفرق بين علم القراءات وعلم التجويد والعلاقة بينهما

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد:
فإن كثيرًا من الطلبة يُشكِل عليهم الفرقُ بين علم التجويد وعلم القراءات والعلاقةُ بينهما
وبيانًا لذلك؛ أحببتُ أن أكتب هذه المقال؛ عسى أن يكون فيه إزالةً لهذا الإشكال وتوضيحًا لحقيقة الأمر - إن شاء الله تعالى -
وقد جعلتُ المقال على عدة فصول:
الفصل الأول - تعريف بعلم التجويد
الفصل الثاني - تعريف بعلم القراءات
الفصل الثالث - بيان الفرق بين العلمين
الفصل الرابع - بيان العلاقة بين العلمين

أقول - مستعينًا بالله, سائلًا إياه التوفيق والسداد -:

علم التجويد:
حده: هو العلم الذي يُعرَف به النطق الصحيح للحروف العربية؛ وذلك بمعرفة مخارجها وصفاتها الذاتية والعرضية وما ينشأ عنها من أحكام.
موضوعه: الكلمات القرآنية من حيث إعطاء حروفِها حقَّها ومستحقَّها - كما مر - من غير تكلف ولا تعسف في النطق مما يخرج بها عن القواعد المجمع عليها. 
ثمرته: صون اللسان عن اللحن في لفظ القرآن الكريم حال الأداء.
فضله: هو من أشرفِ العلوم؛ لتعلقه بكلام الله – تعالى -.
نسبته من العلوم: هو أحد العلوم الشرعية المتعلقة بالقرآن الكريم.
واضعه: قيل: أبو الأسود الدؤلي. وقيل: أبو عبيد القاسم بن سلام. وقيل: الخليل بن أحمد. وقيل غير هؤلاء من أئمة القراءة واللغة.
اسمه: علم التجويد.
استمداده: من تلاوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
حكم الشارع فيه(1): الوجوب الكفائيّ تعلُّمًا وتعليمًا, وقد يتعيَّن في بعض الحالات(2).
مسائله: قواعده, كقولنا: كل نون ساكنة وقع بعدها حرف من حروف الحلق - يجب إظهارها, وكل حرف مد وقع بعده ساكن أصلي وصلاً ووقفاً - يُمدّ مدًّا طويلاً, وهكذا.

علم القراءات
حَدُّه: هو عِلْمٌ يُعنى بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها معزوًّا إلى ناقله.
موضوعه: الكلمات القرآنية من حيث أحوالها الأدائية التي يُبحَثُ عنها فيه, مثل: المد, والقصر, والإظهار, والإدغام, ونحو ذلك.
ثَمَرَته: الصَّوْنُ عن الخطإ في القرآن, ومعرفةُ ما يَقرأ به كل واحد من الأئمة القراء, وتمييزُ ما يُقرَأ به وما لا يُقرَأ به, وغير ذلك من الفوائد.
فضله: هو من أشرف العلوم الشرعية؛ لِتَعَلُّقِه بكتاب الله - جل وعلا -.
نِسْبَتُه لغيره من العلوم: التباين.
واضعه: أئمة القراءة. وقيل: أبو عمر حفص بن عمر الدوري. وأول مَن دَوَّنَ فيه: أبو عُبَيْد القاسم بن سَلام. 
اسمه: علم القراءات (جَمْع "قراءة". بمعنى: وجه مقروء به).
استمداده: من النقول الصحيحة المتواترة عن أئمة القراءة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
حكم الشارع فيه: الوجوب الكفائي تعلُّمًا وتعليمًا.
مسائله: قواعده, كقولنا: كلُّ همزتَيْ قطعٍ تلاصقَتَا في كلمةٍ سَهَّلَ ثانيَتَهما الحجازيون.

مما سبق نَعْرف الفرقَ بين علمَي التجويد والقراءات, فكِلَا العلمين موضوعُهما ألفاظُ القرآن الكريم، ولذا نجد أن من العلماء من يطلقون مصطلح: (علم القراءة)، يريدون به ما يشمل علم التجويد وعلم القراءات.
وإنّ بين هذين العلمين تكامُلًا، إلا أن كل واحدًا منهما يتناول جانبًا من النطق بألفاظ القرآن الكريم، وبينهما اختلافًا يجعل كل واحد منهما علما مستقلا، فعلم التجويد يُعنى بحقائق وقواعد وكيفيات نطق ألفاظ القرآن، فيبحث في مخارج الحروف وصفاتها وخصائصها وأحكامها الصوتية، وبعض المسائل التجويدية المتعلقة بتحسين اللفظ، إضافة إلى الوقف الصحيح والابتداء الصحيح. مع قطع النظر عن الخلاف الوارد عن القراء في أداء كلمات القرآن. وأما علم القراءات فيُعنى بإختلاف أوجه النطق المروية عن القراء في كلمات القرآن.
لنأخذ مثالا كلمةَ: {يحزنك}..
هذه الكلمة يتناولها علم التجويد من ناحية دراسة مخارج وصفات حروفها، وما فيها من إخفاء النون عند الزاي، ومرتبة الغنة في هذا الإخفاء، وزمن الغنة، ودرجة الغنة من حيث التفخيم والترقيق، ونحو ذلك.
بينما علم القراءات يتناولها من حيث البحث في خلاف القراء في قراءتها؛ فيبحث الأوجه التي قرئت عليها، وهي {يَحْزُنكَ} و{يُحزِنكَ}، ومن الذي قرأها بالوجه الأول، ومن الذي قرأها بالوجه الثاني.
وهذا الكلام لا يعني أن علم القراءات منفصل عن علم التجويد، بل إن علماء القراءات ينقلون هذه الروايات ويقرئونها على وفق الكيفية المجوَّدةِ المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن جُلُّ اهتمامهم هو الاعتناءُ بهذه الروايات ونقلُها وضبطُها، وإن كانت تُروى مجوَّدةً.
قال المرعشي: «إن قلت: ما الفرق بين علمي التجويد والقراءات؟
قلت: علم القراءات علم يُعرف فيه اختلاف أئمة الأمصار في نظم القرآن في نفس حروفه أو صفاتها، فإذا ذُكر فيه شيء من ماهية صفات الحروف فهو تتميم؛ إذ لا يتعلق الغرض به.
وأما علم التجويد فالغرض منه معرفة ماهيات صفات الحروف، فإذا ذكر فيه شيء من اختلاف الأئمة فهو تتميم. كذا حقق في الرعاية»».
وقال أيضا: «اعلم أن علم القراءة يخالف علم التجويد؛ لأن المقصود من الثاني معرفة حقائق صفات الحروف مع قطع النظر عن الخلاف فيها.
مثلا يُعْرَف في علم التجويد أن حقيقة التفخيم كذا، وحقيقة الترقيق كذا، وفي [علم القراءات] يُعرف فخَّمَها فلان ورققها فلان. 
وبهذا يندفع ما عسى أن يقال: علم القراءة يتضمن مباحث صفات الحروف كالإدغام والإظهار والمد والقصر والتفخيم والترقيق وهي مباحث علم التجويد» اهـ.
وذهب بعض العلماء إلى نسبة علم القراءات إلى الرواية، وعلم التجويد إلى الدراية، فيقولون: علم القراءات علم رواية، وعلم التجويد علم دراية.
والمتتبع لأقوال العلماء في هذه المسألة يجد أن تـخصيص الرواية بالقراءات والدراية بالتجويد لا يعني انفصال الدراية عن القراءات أو الرواية عن التجويد، ومن ثم يجب أن يُحمل كلامُهم على إرادةِ غَلَبَةِ جانب الرواية والنقل على علم القراءات، وجانب الدراية والاستنباط على علم التجويد، وليس اختصاص أحد العلمين بواحد منهما.
فعلم التجويد وعلم القراءات يشتركان فيما يلي:
1- أن كليهما يرتبط بألفاظ القرآن من جهة يختلف فيها عن الآخر.
2- أن القراءات القرآنية المعزوة إلى ناقليها لا يمكن قراءتها منفكةً عن الكيفية المجودة التي أنزل القرآن بها، بمعنى أن الأوجه المنقولة نُقلت مجوَّدةً.
3- أن علم التجويد يعد جزءا من علم القراءات على اعتبار أن علم القراءات ينقسم إلى أصول وفرش، وأن علم التجويد في كثير من مباحثه يُعتبر من الأصول التي بحثها القراء.
ويختلف العلمان في أمرين:
1- فمن حيث الموضوع؛ علم التجويد لا يُعنى باختلاف الرواة وعزو الروايات لناقليها بقدر عنايته بتحقيق الألفاظ وتجويدها وتحسينها، وهو مما لا خلاف بين القراء في أكثره، فإن القراء عموما متفقون على موضوعات مخارج الحروف والصفات، والقضايا الكلية للمد والقصر، وأحكام النون الساكنة والتنوين، والميم الساكنة، وغيرها.
2- ومن حيث المنهج؛ علم القراءات منهجه نقلي، فإن كتب القراءات كتب رواية، بينما كتب التجويد كتب دراية تعتمد على درجة مقدرة القارئ في ملاحظة أصوات اللغة وتحليلها ووصفها حال إفرادها أو تركيبها. وهذا باعتبار الغالب عليهما -كما ذكرنا آنفا-. 
وهنا إشكال ينبغي التعريج عليه والإجابة عنه؛ لكونه يَرِدُ على أذهان كثير من المبتدئين في دراسة هذا الفن، وهو: هل علم التجويد الذي ندرسه في كتب التجويد يختص برواية حفص عن عاصم؟
الجواب: علم التجويد لا يختص بقراءة معينة أو رواية معينة، فهو يُعنى بتجويد ألفاظ القرآن أيا كانت الرواية أو القراءة. نعم قد نجد في بعض القراءات أمورا تـختلف عما ندرسه في علم التجويد، مثلا: نجد أن أبا جعفر يخفي النون الساكنة والتنوين عند الغين والخاء، والذي ندرسه في التجويد أن حكمهما مع الغين والخاء الإظهار، كذلك نجد أن ورشا من طريق الأزرق له في مد البدل القصر والتوسط والطول، والذي ندرسه في التجويد أن البدل ملحق بالمد الطبيعي ومقداره حركتان، وأيضا نجد أن ورشًا يرقق راءاتٍ هي في قواعد علم التجويد حقها التفخيم، ونجد في قراءة حمزة والكسائي وجهَ إدغامِ النون الساكنة والتنوين في الواو والياء بغير غنة، مع أن الذي ندرسه في التجويد هو إدغامهما بغنة، وهلم جرا. والسر في ذلك أن كتب علم التجويد إنما يُذكر فيها الأغلب والشائع بين القراء، وأما الأحكام التي ينفرد بها أحد القراء أو القليل منهم فهذه لا تتناولها كتب التجويد، وإنما هي من تـخصص كتب القراءات، وإذا ذُكرت في بعض كتب التجويد الموسعة فإنما تذكر من باب التوسع في عرض المعلومة، وإلا فليس هذا من اختصاص علم التجويد. فليُنتبه إلى هذا.
قال المرعشي: «وأما علم التجويد فالغرض منه معرفة ماهيات صفات الحروف، فإذا ذكر فيه شيء من اختلاف الأئمة فهو تتميم».
وقال أيضا: «اعلم أن علم القراءة يخالف علم التجويد؛ لأن المقصود من الثاني معرفة حقائق صفات الحروف مع قطع النظر عن الخلاف فيها.
مثلا يعرف في علم التجويد أن حقيقة التفخيم كذا، وحقيقة الترقيق كذا، وفي [علم القراءات] يُعرف فخَّمَها فلان ورققها فلان. 
وبهذا يندفع ما عسى أن يقال: علم القراءة يتضمن مباحث صفات الحروف كالإدغام والإظهار والمد والقصر والتفخيم والترقيق وهي مباحث علم التجويد» اهـ.
ولكي يتضح لك الأمر أكثر تأمَّلْ كلامَ مكي بن أبي طالب في «الرعاية» -وهو كتاب تجويد- حيث قال: «ولست أذكر في هذا الكتاب إلا ما لا اختلاف فيه بين أكثر القراء، فيجب على كل من قرأ بأي حرف كان من السبعة أن يأخذ نفسه بتحقيق اللفظ وتجويده، وإعطائه حقه على ما نذكره مع كل حرف من هذا الكتاب...» اهـ.
ووضَّحَ هذه القاعدةَ وطبَّقَها في حديثه عن كل حرف من حروف العربية، فقال في باب الهمزة: «وقد تقدم ذكر أصول القراء واختلافهم في الهمز وتليينه وحذفه وبدله وتحقيقه وغير ذلك من أحكامه في غير هذا الكتاب، فلا حاجة بنا إلى ذكر ذلك، وكذلك ما شابهه، فليس هذا كتاب اختلاف، وإنما هو كتاب تجويدِ ألفاظٍ، ووقوفٍ على حقائق الكلام، وإعطاءِ اللفظ حقه، ومعرفةِ أحكامِ الحروف التي ينشأ الكلام منها، مما لا اختلاف في أكثره» اهـ.

كتبه
علي المالكي

________________________
(1) هذا الكلام هو فيما يخُصُّ تعلُّمَ وتعليمَ عِلْمِ التجويد
وأما حكم العَمَل بالتجويد فهو أمرٌ آخر
وقد سبق أن بيَّنتُ حكمَ العمل بالتجويد في موضوعين آخرين, ونقلتُ كلام عدد من الأئمة المحققين في القول بوجوبه.
(2) أي: قد يتعين على بعض الناس تعلُّمُ هذا العلم أو بعضِ أبوابه - مِن باب: {ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب}.

نصيحة للإخوة والأخوات الذين يقومون بالتفريغ

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فأحب أن أوجّه نصيحة للإخوة والأخوات الذين يقومون بالتفريغ سواء في هذا المنتدى أو في غيره
وذلك لِمَا رأيتُ مِن أن البعض عندما يفرّغ يكتب كُلَّ شيءٍ يُسمَع!! 
نجده يكتب مثل قول الشيخ مقبل - رحمه الله -: (نعم يا إخواننا)
ومثل قول الشيخ ربيع - حفظه الله -: (بارك الله فيكم) و(آآه)
ومثل قول الشيخ عثمان السالمي - حفظه الله -: (طيب)
بل ومثل كلمة (ألو) وكلمة (ماذا قلت؟) وكلمة: (لا أسمعك جيدًا)... إلخ!! 
بل إن البعض يكتب حتى الخطأ الذي يخطئه الشيخ في كلامه ثم يصوِّبُه؛ فيكتب كلتا العبارتين - الخاطئة والمصوَّبة -! مع أن الشيخ نفسه قد صوَّبَ العبارة!! 

ومَن يدري؟ ربما يأتينا غدًا مَن يدوّن عطاس الشيخ أو سعاله!!!

والذين يصنعون هذا يظنون أنهم يحسنون صنعًا وأن هذا من الدقة في التفريغ
وهم في حقيقة الأمر كالذي يبني قصرًا ويهدم مصرًا!!
لأنهم بفعلتهم هذه يجعلون الكلام - في كثير من الأحيان - غيرَ مفهوم! بل وربما بعضُ الناس يتوهم أن بعض ذلك الكلام هو من صلب كلام الشيخ!

وكان الأحرى بهؤلاء أن يتعلَّموا كيفية استعمال علامات الترقيم ويستعملوها في تفريغاتهم؛ فهي تجعلهم يوصلون للقارئ انفعالات المتكلم كأنه يراه أمامه أو يسمعه
وكان الأحرى بهم أيضًا أن يسلكوا طريقة إدخال عبارات تقيم النص؛ والتي توضع بين معقوفتين لبيان أنها ليست من صلب الكلام وإنما وُضِعَت من أجل إقامة النص؛ وذلك لأن الكلام المنطوق ليس كالمكتوب؛ فقد لا يُفهَم الكلام المفرَّغ إلا بإدخال هذه الزوائد.

فأرجو أن تقبلوا مني هذه النصيحة بصدر رحب وتبتعدوا عن هذه الأمور
بارك الله فيكم ووفقكم لما يحب ويرضى

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

حول وقوف الهبطي

وقف الهَبْطي(1) لا أنصح أحداً بالالتزام به ولا الاعتماد عليه؛ لأنه:
أولاً: لا يقف على كثير من رؤوس الآي, ونحن نعلم أن الوقف على رؤوس الآي سنة مطلقاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولابن الجزري كلام حول موضوع الوقف على رؤوس الآي في كتابه "النشر", حيث قال:
...وإن كان التعلق من جهة اللفظ فهو الوقف المصطلح عليه بـ: (الحسن), لأنه في نفسه حسن مفيد يجوز الوقف عليه دون الابتداء بما بعده, للتعلق اللفظي, إلا أن يكون رأس آية فإنه يجوز في اختيار اكثر أهل الأداء؛ لمجيئه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية, يقول: "بسم الله الرحمن الرحيم", ثم يقف, ثم يقول: "الحمد لله رب العالمين", ثم يقف, ثم يقول: الرحمن الرحيم ...)) إلى آخر الحديث(2), وهو حديث حسن وسنده صحيح. .
وكذلك عد بعضهم الوقف على رؤوس الآي في ذلك سنة. وقال أبو عمرو: "وهو أحب إلي". وقال في موضع آخر: "وكان جماعة من الأئمة السالفين والقراء الماضين يستحبون القطع(3) على الآيات، وإن تعلق بعضهن ببعض". واختاره أيضاً البيهقي في شعب الإيمان، وغيره من العلماء, وقالوا: الأفضل الوقوف على رؤوس الآيات وإن تعلقت بما بعدها. قالوا: واتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته أولى. وقال الشيخ ملا علي القارئ: "أجمع القراء على أن الوقف على الفواصل وقف حسن؛ ولو تعلقت بما بعدها".اهـ بتصرف وزيادات.
ثانياً: أنه كثيراً ما يقف على مواضع ليست محل وقف, مثل:
- وقوفه في قوله تعالى: حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم..... الآية, بينما ليس في هذه الآية وقف صحيح من بدايتها إلا على "إلا ما قد سلف"
- مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله / ذهب الله بنورهم
- وإذ آتينا موسى الكتاب / والفرقان لعلكم تهتدون
وأيضاً يقف أحياناً وقوفاً غريبة يقطّع بها أوصال الآية تقطيعاً لا معنى له, مثل:
- كلا نمد / هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك.
- عم / يستاءلون
هذا ما يحضرني الآن من الأسباب والأمثلة
فأنا أنصحك أن تعتمد في معرفة الوقف والابتداء على مَرَاجِعِه المعتبرة والمعتمدة, ومن أهم الكتب المتخصصة في هذا الباب: كتاب "المكتفى في الوقف والابتدا" للإمام الداني, وكتاب "القطع والائتناف" للإمام أبي جعفر النحّاس.
ونحن في ليبيا - كما تعلم - كثير من الشيوخ - بسبب الجهل أو الهوى أو التعصُّب أو الأَنَفَة أو غير ذلك - يتعصبون لوقوف الهبطي تعصباً غريباً, ويشددون على من يخالفه - والله المستعان -.
هذا ما عندي بالنسبة للوقوف الهبطية.

________________________
(1) وهو نسبة إلى صاحبه محمد بن أبي جمعة الهَبْطي - بفتح الهاء وسكون الباء, نسبة إلى بلاد الهَبْط المعروفة بالمغرب -.
(2) رواه أبو داود وغيره, وقال الدارقطني: "إسناده صحيح، وكلهم ثقات", وصححه ابن خزيمة, قال الإمام أبو عمرو الداني: "ولهذا الحديث طرق كثيرة ، وهو أصل في هذا الباب", وصححه النووي في "المجموع".
(3) يريدُ الإمام الداني بقوله "القطع" هنا: الوقفَ, قال الإمام ابن الجزري في "النشر": هذه العبارات جرت عند كثير من المتقدمين مراداً بها الوقفُ - غالباً -, ولا يريدون بها غيرَ الوقف إلا مقيدة، وأما عند المتأخرين وغيرهم من المحققين فإن القطع عندهم عبارة عن قطع القراءة رأساً، فهو كالانتهاء, فالقارئ به كالمعرضِ عن القراءة والمنتقلِ منها إلى حالة أخرى سوى القراءة, كالذي يقطع على حزبٍ, أو وِردٍ, أو عُشرٍ, أو في ركعة ثم يركع, ونحو ذلك مما يؤذِن بانقضاء القراءة والانتقال منها إلى حالة أخرى، وهو الذي يُستعاذ بعده للقراءة المستأنفة, ولا يكون إلا على رأس آية؛ لأن رؤوس الآي في نفسها مقاطع. اهـ

أمضى من عمره أكثر مائة عام في تدريس القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
فقد روى الإمام البخاري - رحمه الله - في صحيحه عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلّمه))
قال الإمام بن الجزري - رحمه الله - في "النشر": "وكان الإمام أبو عبد الرحمن السلمي التابعي الجليل يقول لما يروى هذا الحديث عن عثمان: هذا الذي أقعدني مقعدي هذا.
يشير إلى كونه جالساً في المجلس الجامع بالكوفة يعلم القرآن ويقرئه مع جلالة قدره وكثرة علمه وحاجة الناس إلى علمه، وبقي يقرئ الناس بجامع الكوفة أكثر من أربعين سنة, وعليه قرأ الحسن والحسين - رضي الله عنهما -، ولذلك كان السلف رحمهم الله لا يعدلون بإقراء القرآن شيئاً...." اهـ كلامه رحمه الله
بعد ما ذُكِر... ما بالكم بمن جلس يُقرئ القرآن أكثر من مائة عام!
بل ويقرئ في المسجد النبوي الشريف!
ذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء
نسأل الله الكريم أن يكون عملُه هذا مقبولاً وسعيه مشكوراً
صاحب القصة هو الشيخ المقرئ حسن الشاعر - رحمه الله وغفر له -
يرويها عنه مباشرةً الشيخ إبراهيم الأخضر شيخ القراء بالمسجد النبوي الشريف
http://www.ajurry.com/vb/attachment.php?attachmentid=17935&d=1328514676
ذات يوم وأنا أتحدث مع أحد جلسائي الذين لا أمَلُّ حديثَهم,,
جاء في حديثنا موضوع تأثير طلب الدنيا على طلب العلم الشرعي,,
فخطر ببالي حينها خاطرة,,
هي:
أن الدنيا لا يَشْبَع طالبُها منها, وكلما ازداد منها كلما ازداد طلباً لها,,
وأن العلم لا يَشْبَع طالبُه منه, وكلما ازداد منه كلما ازداد طلباً له,,
فاشتركا في هذا الأمر
ولكن من الفروق هنا
أن الدنيا إذا عرف طالبُها حقيقتَها زهد فيها,,
والعلم كلما ذاق طالبُه طعمَه كلما ازداد نَهَمُه فيه,,
وأن الدنيا كلما ازداد منها صاحبُها كلما ازداد ضرراً وتقصيراً في عبادة ربه و و و و ,,
والعلم كلما ازداد منه صاحبه كلما ازداد نفعاً ورفعة وفضلاً ومعرفة وخشية و و و و ,,
فشتان بين طالب الدنيا الذي لا يشبع
وبين طالب العلم الذي لا يشبع
وفي الحديث: "منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب دنيا".

مختارات من سيرة الإمام الحافظ أبي حاتم الرازي

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: 
سمعت أبي يقول: 
أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سبع سنين أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ (قال الذهبي: مسافة ذلك نحو أربعة أشهر, سيرَ الجادة) ثم تركت العدد بعد ذلك, وخرجت من البحرين إلى مصر ماشيا ثم إلى الرملة ماشيا ثم إلى دمشق ثم أنطاكية وطرسوس ثم رجعت إلى حمص ثم إلى الرقة ثم ركبت إلى العراق كل هذا في سفري الأول وأنا ابن عشرين سنة. خرجت من الري فدخلت الكوفة في رمضان سنة ثلاث عشرة وجاءنا نعي المقرئ وأنا بالكوفة ثم رحلت ثانيا سنة اثنتين وأربعين ثم رجعت إلى الري سنة خمس وأربعين وحججت رابع حجة في سنة خمس وخمسين.

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: 
سمعت أبي يقول: بقيت في سنة أربع عشرة ثمانية أشهر بالبصرة, وكان في نفسي أن أقيم سنة, فانقطعت نفقتي, فجعلت أبيع ثيابي حتى نفذت, وبقيت بلا نفقة, ومضيت أطوف مع صديق لي إلى المشيخة, وأسمع إلى المساء, فانصرف رفيقي, ورجعت إلى بيتي, فجعلت أشرب الماء من الجوع, ثم أصبحت, فغدا علي رفيقي, فجعلت أطوف معه في سماع الحديث على جوع شديد, وانصرفت جائعا, فلما كان من الغد, غدا علي, فقال: مُرَّ بنا إلى المشايخ. قلت: أنا ضعيف لا يمكنني. قال: ما ضعفك؟ قلت: لا أكتمك أمري, قد مضى يومان ما طعمت فيهما شيئا, فقال قد بقي معي دينار, فنصفه لك, ونجعل النصف الآخر في الكراء, فخرجنا من البصرة, وأخذت منه النصف دينار.

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: 
سمعت أبي يقول: خرجنا من المدينة, من عند داود الجعفري, وصرنا إلى الجار وركبنا البحر, فكانت الريح في وجوهنا, فبقينا في البحر ثلاثة أشهر, وضاقت صدورنا, وفني ما كان معنا, وخرجنا إلى البر نمشي أياما, حتى فني ما تبقى معنا من الزاد والماء, فمشينا يوما لم نأكل ولم نشرب, ويوم الثاني كمثل, ويوم الثالث, فلما كان يكون المساء صلينا, وكنا نلقي بأنفسنا حيث كنا, فلما أصبحنا في اليوم الثالث, جعلنا نمشي على قدر طاقتنا, وكنا ثلاثة أنفس: شيخ نيسابوري, وأبو زهير الْمَرْوَرُّوذِي, فسقط الشيخ مغشيا, عليه فجئنا نحركه وهو لا يعقل, فتركناه, ومشينا قدر فرسخ, فضعفت, وسقطت مغشيا علي, ومضى صاحبي يمشي, فبصر من بعد قوما قربوا سفينتهم من البر ونزلوا على بئر موسى, فلما عاينهم لوح بثوبه إليهم, فجاؤوه معهم ماء في إداوة, فسقوه, واخذوا بيده, فقال لهم: الحقوا رفيقين لي, فما شعرت إلا برجل يصب الماء على وجهي, ففتحت عيني, فقلت: اسقني. فصب من الماء في مَشربة قليلا, فشربت ورجعت إليّ نفسي, ثم سقاني قليلا, وأخذ بيدي, فقلت: ورائي شيخ ملقى. فذهب جماعة إليه, وأخذ بيدي, وأنا أمشي وأجُرُّ رجلي, حتى إذا بلغت إلى عند سفينتهم, وأتوا بالشيخ, وأحسنوا إلينا, فبقينا أياما حتى رجعت إلينا أنفسنا, ثم كتبوا لنا كتابا إلى مدينة يقال لها "راية", إلى واليهم, وزودونا من الكعك والسَّويق والماء, فلم نزل نمشي حتى نفد ما كان معنا من الماء والقوت, فجعلنا نمشي جياعا على شط البحر, حتى دفعنا إلى سلحفاة مثل الترس, فعمدنا إلى حجر كبير فضربنا على ظهرها, فانفلق, فإذا فيها مثل صفرة البيض, فتحسيناه حتى سكن عنا الجوع, ثم وصلنا إلى مدينة الراية, وأوصلْنا الكتاب إلى عاملها, فأنزلنا في داره, فكان يقدم لنا كل يوم القرع ويقول لخادمه: هاتي لهم اليقطين المبارك. فيقدمه مع الخبز أياما, فقال واحد منا ألا تدعو باللحم المشؤوم؟! فسمع صاحب الدار, فقال: أنا أُحسن بالفارسية, فان جدتي كانت هروية. وأتانا بعد ذلك باللحم, ثم زودنا إلى مصر.

كيفية معرفة قوة الخلاف مِن ضعفه

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
اما بعد
فقد كان يجول في خاطري أن أسأل أحد العلماء عن كيفية معرفة قوة الخلاف مِن ضعفِه
لأنني رأيت كثيراً من الناس - هدانا الله وإياهم - ينكرون في مسائل خلافية الخلاف فيها مشهور
بل إن البعض قد يعقد الولاء والبراء على بعض المسائل التي فيها خلاف قوي مشهور, ويتهم مخالِفَه باتباع الهوى
فيسّر الله لي منذ سنتين تقريباً سؤال الشيخ عبد الرحمن محي الدين حفظه الله
وهذا رابط السؤال:
http://www.ajurry.com/vb/attachment.php?attachmentid=16365&d=1322915102

ثم يسر الله لي أن أقف على سؤال سئل للشيخ صالح آل الشيخ عن نفس الموضوع
فوجدت فيه أيضاً ما كنت أريد معرفته
فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

وهذا هو سؤال الشيخ صالح حفظه الله
وهو من دروسه في شرح كشف الشبهات

س/ متى يكون الخلاف خلافا سائغا يُعذر فيه المخالف، وهل يكتفى في تسويغ الخلاف أن يقول به إمام من الأئمة؟ 
ج/ هذه مسألة أصولية مشهورة، والجواب عليها أن الخلاف في المسائل ينقسم إلى قسمين: 
الأول: خلاف فيما لم يرد به النص، في مسألة نازلة، اختلف العلماء فيها، فهذا الخلاف فيها سائغ إلا إذا كان هناك اتفاق من أكثر أهل العلم في ذلك فالذي يرى غير ما عليه الأكثر في المسألة النازلة له أن يعمل بما يرى أو يعتقد في ذلك في نفسه؛ لكن لأجل قول الأكثر في المسألة الاجتهادية فإنه لا يخالف الأكثر لأن الأكثر في المسائل الاجتهادية التي لا نص فيها، إنما هي تنزيل على الواقع هذا في الغالب أن لا يكون معه الصواب.
فإذن النوع الأول من الخلاف خلاف في المسائل الاجتهادية التي لا نص فيها، وهذه يعذر بعضهم بعضا لأنها اجتهاد في تنزيل المسألة النازلة على النصوص.
والثاني، النوع الثاني: الخلاف في المسائل التي فيها دليل؛ لكن اختلف فيها العلماء نزع كل إلى جهة من الدليل، وبعضهم مثلا لم يقل بالدليل، قال بغيره؛ قال بقياس، قال برأيه، فهذا الخلاف في المسائل التي فيها دليل ينقسم إلى قسمين:
الأول : خلاف ضعيف. والثاني : خلاف قوي.
والخلاف الضعيف هو الذي يكون في مقابلة الدليل؛ يعني قال قياسا مع ظهور الدليل، لاحظ كلمة ظهور الدليل، يعني دلّ الدليل على المسألة بظهور أو بما هو أعظم من الظهور وهو النص، وقال طائفة من أهل العلم بخلاف ما دل عليه الدليل ظاهرا أو نصا فهذا لا شك أن هذا الخلاف يكون ضعيفا.
الثاني: أن يكون الخلاف قويا بحيث يكون أن تكون الأدلة متعارضة، قد يرجح هذا وقد يرجح هذا، فإنه حينئذ يكون الخلاف قويا، وإذا كان الخلاف قويا فإنه لا إنكار في مسائل الخلاف القوي.
وأما إذا كان الخلاف ضعيفا فإنه ينكر في مسائل الخلاف الضعيف. 
أطلق بعض أهل العلم قاعدة وهي قولهم: لا إنكار في مسائل الخلاف. وهذا الإطلاق غلط؛ لأن المسائل الخلافية الصحابة بعضهم أنكر على بعض فيها، والتابعون أنكر بعضهم على بعض فيها.
والمسائل الخلافية على التفصيل الذي ذكرته لك:
* إذا كان الخلاف في مسألة لم يرد فيها الدليل فهذه تسمى المسائل الاجتهادية، هذا الخلاف سائغ.
* والقسم الثاني أن يكون الخلاف في مسائل فيها الدليل وهي منقسمة إلى خلاف قوي وإلى خلاف ضعيف. 
مثلا من مسائل الخلاف القوي:
مسألة زكاة الحلي الأدلة فيها مختلفة، وفهم الدليل أيضا مختلف بين أهل العلم، فهذه نقول الخلاف فيها قوي فلا إنكار، من زكى فقد تبع بعض أهل العلم، ومن لم يزك فقد تبع بعض أهل العلم، فلا حرج في ذلك ولا إنكار في هذه المسألة.
كذلك مسألة قراءة الفاتحة في الصلاة للمأموم، هل يقرأ المأموم أو لا يقرأ، الخلاف فيها قوي والأدلة متنازع فيها، وكلام الأئمة في من يقول كذا وفي من يقول كذا، والجمهور؛ جمهور الصحابة والتابعين، قول المحققين كشيخ الإسلام؛ بل كالإمام أحمد وشيخ الإسلام وابن القيم وجماعة أنه يتحمل الإمام عن المأموم، هذا يجعل المسألة فيها خلاف قوي فلا إنكار فيها كذلك.
مثلا بعض المسائل التي يختلف فيها أهل العلم في هذا الزمن:
مثل مثلا مسألة التصوير بالفيديو، بعضهم يجعله داخلا في التصوير فيمنعه، بعضهم لا يجعله داخلا في التصوير فلا يمنعه فهذا، المسألة فيها خلاف قوي، بعضهم يجيز وبعضهم لا يجيز، كذلك يلحق أو من هذه المسألة التي فيها الخلاف القوي بين أهل العلم مسألة التصوير الضوئي؛ لأن بعضهم أباحه، وبعض أهل العلم منعه، وهذا له حجة وهذا له حجة، واختلف فيه علماؤنا المعاصرون، مع أن الصحيح كما هو معلوم أنه لا يجوز ذلك لعموم الأدلة كما هو مبسوط في موضعه. 
المسائل التي فيها خلاف ضعيف كثيرة.
وهذا نقول فيه لأجل أن ينتبه طالب العلم إلى ما ينكر فيه وما لا ينكر فيه، فمسائل ترى أهل العلم ما ينكرون فيها لأجل الخلاف القوي فيها، أحيانا ينكرون لأجل الخلاف أن يكون خلافا ضعيفا.
مثل مسألة كشف المرأة لوجهها الخلاف فيها ضعيف وبعض أهل العلم يرى أن الخلاف فيها قوي لكن الصحيح أنه ضعيف لأن الحجة التي أدلى بها من أجاز ذلك ليست بوجيهة إلى آخر المسائل التي فيها..
الخلاف ضعيف مثل المعازف، خلاف ابن حزم فيها شاذ وضعيف.
كذلك إباحة النبيذ وما شابهه مما لا يسكر قليله، هذا معلوم الخلاف فيها لكن الخلاف فيها ضعيف.
كذلك أكل لحم ذي الناب من السباع خلاف، خالف فيه أهل المدينة مالك ومن معه، غيره من الأئمة، ونقول الخلاف فيه ضعيف لوجود النص الواضح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخلاف ذلك.
إلى ذلك من المسائل المعروفة. اهـ.


كتبه
علي المالكي

فوائد تقنية في الطباعة يقل ذكرها

للحصول على فاصلة عربية:
shift + k
للصق النص من دون تنسيق:
ctrl + alt + v

حُكم الخَلْط بين القراءات

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فما هو حُكْمُ الخلطِ بين القراءاتِ أو الرواياتِ أو الطُّرُقِ؟
الجواب: لنعرِفْ أوّلًا ما هو الخلط.
الخلطُ: هو التنقل بين القراءات أثناء التلاوة مِن غيرِ إعادةٍ لأوجُهِ الخلافِ, ودون الالتزام بروايةٍ معيَّنةٍ؛ كأن يقرأ: {وهو} في موضعٍ بِضَمِّ الهاءِ وفي موضعٍ آخرَ بإسكانِها.
ويعبَّر عنه بـ: (الخلط), و(التلفيق), و(التركيب).
انظر: "مختصر العبارات لمعجم مصطلحات القراءات" لإبراهيم الدوسري (ص46).
وقد اختلف العلماء في حكمه على أقوال, ذَكَرَها إمامُ الفن المحققُ ابنُ الجزري في "النشر"؛ فقال (1/ 18 ): "...ولذلك مَنَعَ بعضُ الأئمةِ تركيبَ القراءات بعضِها ببعض, وخطَّأَ القارئَ بها في السنة والفرض.
قال الإمام أبو الحسن علي بن محمد السخاوي في كتابه" "جمال القراء" : "وخَلْطُ هذه القراءات بعضها ببعض خطأٌ". 
وقال الحبر العلامة أبو زكريا النووي في كتابه: "التبيان" : "وإذا ابتدأ القارئ بقراءةِ شخصٍ مِن السبعة فينبغي أن لا يَزال على تلك القراءة ما دام للكلامِ ارتباطٌ, فإذا انقضى ارتباطُه فله أن يقرأ بقراءةِ آخَرَ من السبعة. والأولى دوامُه على تلك القراءة في ذلك المجلس".
قلت: وهذا معنى ما ذكره أبو عمرو بن الصلاح في "فتاويه".
وقال الأستاذ أبو إسحاق الجَعْبَري: "والتركيب ممتنع في كلمة وفي كلمتين إن تعلق أحدهما بالآخر, وإلا كُرِه".
قلت: وأجازها أكثرُ الأئمة مطلقًا, وجَعَلَ خطأَ مانِعي ذلك محقَّقًا.
والصواب عندنا في ذلك التفصيل, والعدول بالتوسط إلى سواء السبيل, فنقول:
إن كانت إحدى القراءتين مترتبة على الأخرى فالمنعُ من ذلك منْعُ تحريم, كمن يقرأ: {فتلقى آدم من ربه كلمات} بالرفع فيهما أو بالنصب؛ آخذا رفْعَ (آدم) من قراءةِ غيرِ ابن كثير, وَرَفْعَ (كلمات) من قراءة ابن كثير. 
ونحو: {وكفلها زكريا} بالتشديد مع الرفع أو عكس ذلك. 
ونحو: {أخذ ميثاقكم} وشِبْهِه مما يركَّب بما لا تجيزه العربية ولا يصح في اللغة.
وأما ما لم يكن كذلك فإنا نفرق فيه بين مقام الرواية وغيرِها؛ فإن قرأ بذلك على سبيل الرواية فإنه لا يجوز أيضًا من حيثُ إنه كَذِبٌ في الرواية وتخليطٌ على أهل الدراية، وإن لم يكن على سبيل النقل بل على سبيل القراءة والتلاوة فإنه جائز صحيح ومقبول لا مَنْعَ منه ولا حَظْرَ, وإن كنا نعيبه على أئمة القراءات العارفين باختلاف الروايات؛ مِن وجْهِ تساوي العلماء بالعوام, لا مِن وجْهِ أن ذلك مكروه أو حرام, إذ كلٌّ مِن عند الله, نزل به الروح الأمين, على قلب سيد المرسلين, تخفيفا عن الأمة، وتهوينا على أهل هذه الملة، فلو أوجبنا عليهم قراءةَ كل روايةٍ على حِدَةٍ لَشَقَّ عليهم تمييزُ القراءة الواحدة وانعكس المقصود من التخفيف وعاد بالسهولة إلى التكليف.
وقد روينا في "المعجم الكبير" للطبراني بسند الصحيح عن إبراهيم النخعي قال: قال عند الله بن مسعود: "ليس الخطأ أن يقرأ بعضه في بعض, ولكن الخطأ أن يُلحِقوا به ما ليس منه"...." انتهى كلام ابن الجزري –رحمه الله-.

كتبه
علي المالكي

ذِكْرُ أشهَرِ أسانيدِ القراءات في مصر والشام والهند

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن كثيرًا مِن طلبةِ القرآنِ المبتدئين لا يعلمون شيئًا عن أسانيد القراءات, وبعضُهم سمِعَ بها عمومًا دون أن يقف على شيءٍ منها, فأحببتُ أن أخصص هذا الموضوع لذِكْرِ أشهر أسانيد القراءات في مصر والشام والهند(1)؛ ليكون الطالب على معرفةٍ بها, ولكي يعرِفَ طبقات الرواة, وعمّن أخذوا, ومَن أخذ عنهم, وضَبْطَ أسمائهم(2), ولكي يعرف الأسانيد العالية مِن الأسانيد النازلة, ولكي يعرف هل القارئ الفُلَانِيُّ ينحدر مِن مدرسة الشام أم من مدرسة مصر؟... إلى غير ذلك من الفوائد.
وقد اجتزأتُ في كلّ إسنادٍ بذِكْرِ أشهرِ رواتِه -وأصحاب الأسانيد العالية منهم- في كل طبقة مِن الطبقات -حسب عِلْمي وتقديري-, ولم أتوسع كثيرًا؛ لئلا أطيل وأشوّش القارئ, إلا في طبقة المعاصرين وشيوخهم؛ فقد توسعتُ فيها بعض الشيء؛ لوجود التشعُّب فيها أكثر مِن غيرِها.

أولًا- أسانيدُ قراءِ مِصر:
عندما تتبعتُ أسانيدَ قراءِ مصر وجدتُ أن أشهَرَها إسنادان: الإسناد الذي يَمُرّ بشيخ القراء والمقارئ بالديار المصرية في زمنه/ محمد بن أحمد المتولّي, والإسناد الذي يمرّ بعبد الله بن عبد العظيم الدسوقي (شيخ القراء بدسوق).
فأما الإسناد الأول؛ فمِن أشهر القراء المعاصرين الذين يمر إسنادهم بالمتولي:
- عليّ بن محمد الضبّاع (شيخ عموم المقارئ المصرية في زمنه), وهو قد قرأ على عبد الرحمن بن حسين الخطيب (الشهير بـ: الشَّعَّار) وحسن بن يحيى الكَتْبِي, وهما على المتولّي.
- أحمد بن عبد العزيز بن أحمد بن محمد الزّيّات القاهري, وهو قد قرأ على عبد الفتاح هُنَيْدي وخليل بن محمد الجَنَايني, وهما على المتولي.
- عامر بن السيد بن عثمان المصري (شيخ عموم المقارئ المصرية في زمنه), وهو قد قرأ على همّام بن قطب بن عبد الهادي الزاهر المصري, وهو على غُنَيْم بن محمد بن غنيم المصري, (ح) وقرأ على إبراهيم بن مُرسي بن بكر الأبناسي المصري, وقرأ هو على عليّ بن عبد الرحمن سُبَيْع المصري. وقرأ غُنَيْم وعلي سبيع على حسن بن محمد بُدَير الجُرَيْسِي الكبير المصري, وهو على المتولي.
- محمود بن خليل الحُصَري (شيخ عموم المقارئ المصرية في وقته, والقارئ المشهور), وهو قد قرأ على الضّبّاع وعامر السيد عثمان.
- إبراهيم بن علي بن علي بن شحاتة السمنّودي, وهو قد قرأ على حنفي بن إبراهيم السقا, وهو على خليل الجنايني.
- عبد الفتاح بن عبد الغني القاضي, وهو قد قرأ على همام بن قطب.
وقد قرأ المتولي على أحمد بن محمد الدُّرِّيّ المصري (الشهير بـ: التِّهامِيّ), وهو عن أحمد بن محمد المصري (المعروف بـ: سَلَمُونة), وهو على إبراهيم بن بَدَوي بن أحمد العُبَيْدي المصري, وهو على عبد الرحمن بن حسن بن عمر الأُجْهُوري المصري, وهو على أبي السَّمَاح أحمد بن رجب البَقَري المصري, وهو على شمس الدين أبي الإكرام محمد بن قاسم البقري القاهري المصري, وهو على زين الدين عبد الرحمن بن شِحَاذَة اليَمَنِي(3) المصري, وهو قرأ على والده من أول القرآن إلى قول الله -سبحانه وتعالى- في سورة النساء: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا}, ثم توفي والدُه فاستأنف ختمةً على تلميذِ والدِه أحمد بن أحمد بن عبد الحق السُّنْبَاطي المصري, وقد قرأ شِحَاذَة اليمني على ناصر الدين محمد بن سالم الطَّبْلاوي المصري, وهو على أبي يحيى زين الدين زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاري السُّنَيْكِي المصري, وهو على زين الدين أبي النَّعِيم رضْوان بن محمد العُقْبي وطاهر بن محمد بن علي النُّوَيْري وشهاب الدين أبي العباس أحمد بن أَسَد بن عبد الواحد الأُمْيُوطِي المصري وشهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن يوسف القَلْقِيلِي الإسكندري, أَرْبَعَتُهُم على أبي الخير شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن الجَزَري الدمشقي ثم الشيرازي (إمامِ الفن), (ح) وقرأ عبد الرحمن بن شِحَاذَة على نور الدين علي بن محمد بن غانم المَقْدِسي الأنصاري الخزرجي القاهري, وهو على أبي الجُود محب الدين محمد بن إبراهيم السَّمَدِيسي المصري, وهو على الأُمْيُوطي, وهو على ابن الجزري. وقد ذكر ابنُ الجزري أسانيدَه إلى القراء العشر في أول كتابِه: "النشر".
وأما الإسناد الثاني؛ فمن أشهر الذين يمر إسنادهم بالدسوقي:
- محمد بن عبد الحميد الإسكندري (شيخ قراء الإسكندرية), وهو قد قرأ على محمد بن عبد الرحمن الخَلِيجِيّ, وهو على عبد العزيز بن علي بن كُحَيْل, وهو على عبد الله بن عبد العظيم الدُّسُوقي.
- نفيسة بنت أبي العلا بن أحمد بن محمد الإسكندرانية, وهي قد قرأت على عبد العزيز بن كحيل.
- تلاميذ الفاضلي علي أبو لَيْلَة الدسوقي, وهو قد قرأ على عبد الله الدسوقي.
وقد قرأ عبد الله الدسوقي على عليّ الحدَّادي الأزهري المصري, وهو على إبراهيم العُبَيْدي.

ثانيًا- أسانيد قرّاء الشام:
إنّ أغلب أسانيدِ قراءِ الشام تمرُّ بشيخ قرّاء الشام في زمانه/ أحمد بن محمد علي الرفاعي الحُلْواني الدمشقي (المعروف بـ: أحمد الحلواني الكبير؛ فرقًا بينه وبين حفيدِه أحمد بن محمد سليم الحلواني المعروف بأحمد الحلواني الصغير).
وأشهر القراء المعاصرين وأعلاهم سندًا ممن يمر إسنادهم بأحمد الحلواني الكبير هم:
- عبد العزيز بن محمد علي عيون السود الحِمصي (شيخ القراء بحِمْص).
- أحمد بن محمد سليم الحلواني الدمشقي(4).
- محمود فايز الدَّيْرعَطَاني.
- حسن دمشقية.
- بكري بن عبد المجيد الطّرَابيشي الدمشقي.
- محمد كُرَيّم راجح (شيخ القراء بدمشق).
- عبد الوهاب دِبْس وَزَيْت.
- حسين خطّاب (شيخ القراء بدمشق).
وكلُّهم قرؤوا على محمد سَلِيم بن أحمد الرفاعي الحُلْواني الدمشقي (شيخ قراء الشام في زمنه)(5), وهو على والده أحمد بن محمد علي الرفاعي الحلواني الدمشقي (شيخ قراء الشام في زمنه), وهو على أحمد بن رمضان المَرْزُوقي الحَسَني المصري ثم المَكِّي (شيخ القراء بمكة المكرمة), وهو عن إبراهيم العُبَيْدي.

ثالثًا- أسانيد الهند:
أكثر أسانيد الهند وعددٍ من البلاد الأوروبية والآسيوية تمرّ بعبد الخالق المُنُوفيّ الأزهري المصري (شيخ القراء بالديار الهندية), وهو قد قرأ على محمد بن قاسم البقري الأزهري.
ولقلّة عِلْمِي بأكثرِ الرواةِ عن المنوفي شُهرَةً لم أذكُر تحتَه أحدًا؛ بانتظار أن أقوم بالبحث عن ذلك.


فائدة: 
أعلى أسانيد القراءات العشر الكبرى في زماننا -بشرط قراءةِ القرآن بها كاملاً- أن يكون بين الراوي وبين الإمام ابن الجزري 12 رجلاً. ومِن هؤلاء: علي الضبّاع, وأحمد الزيات, ومحمد بن عبد الحميد الإسكندري.
وأعلى أسانيد القراءات العشر الصغرى -بالشرط السابق- أن يكون بين الراوي وبين الإمام ابن الجزري 11 رجلاً. ومن هؤلاء: تلاميذ محمد سليم الحلواني, وتلاميذ الفاضلي أبو ليلة.
وهذا علوٌّ نسبيٌّ -كما هو معلوم-. وابنُ الجزري هو أنسَبُ مَن يُمْكِنُ أن يُحسبَ العلوُّ النسبيُّ إليه؛ لأن أسانيدَ كلِّ القراءاتِ تمرُّ به, ولأنك لا تكادُ تجد إسنادًا مِن أسانيدِ المشرق أو المغرب إلا ويمر به.
وأما العلو المطلق فهذا يختلف مِن روايةٍ إلى أخرى؛ فليس العدد في ذلك ثابتًا.

تنبيه:
لَمْ أذكر تفصيلَ ما قرأه كلُّ راوٍ على شيخِه, إلا أن كلّ مَن ذُكِرَ -إلا النادر - قرؤوا على شيوخهم القراءات العشر الصغرى, وأما بالنسبة للقراءات العشر الكبرى فالأمر مختلف؛ فبعضُهم قرأ بها على شيخه وبعضهم لم يقرأ, حتى إن قراء الشام لَم يَقرؤوا على الشيخ محمد سليم الحلواني بالعشر الكبرى, ولا هو قرأ بها على والده, فالأمر -إذن- يحتاج إلى تفصيل, وأنا كتبتُ هذا الموضوع على شيء مِن العُجالةِ, ولعلي في قادِمِ الأيامِ -إن شاء الله- أبيّن ذلك.
وَمَن أراد الاستفسار عن شيء من هذا قبل إضافةِ ذلك إلى الموضوع فليكتب لي. وأيضًا مَن كان لديه استفسار حول ما يتعلق بالأسانيد القرآنية عمومًا فليتفضل به.


وقل الختام أكرر ما أشيرُ إليه في كثير من المناسبات؛ وهو أن أكثرَ مَن ذكرتُ أسماءَهم في الأسانيد الآنفة الذكر ليسوا مِن أهل السنّة, وإنما هم إما متصوِّفة وإما أشاعرة وإما ماتريدية وإما غيرُ ذلك, ولا سيما المتأخرون, فلتكُن مِن هذا على ذُكرٍ.
ولذا أكرر نصيحتي لكم يا أهل السنة أن تهتمّ طائفةٌ منكم بهذا العلم؛ حتى نغني الناسَ عن أهلِ البدع.
وإلى هنا ينتهي ما أردتُ بيانَه, ولعل لي عودةً -إن شاء الله- إلى هذا الموضوع بزيادات وإضافاتٍ -وخاصة تواريخ الوفيات(6)-.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا.



________________________
(1) واقتصرتُ على أسانيد مصر والشام والهند لأن أكثر أسانيد قراء العالم تدور عليها.
(2) وذلك لأن كثيرًا من الشيوخ لا يعتنون بضبط الأسماء عند ذِكْرَها في الإجازات أو غيرها؛ مما أدّى إلى كثرةِ وقوعِ اللحنِ في بعض الأسماء.
(3) نسبةً إلى (كَفْر اليَمَن) بمصر, وليس إلى بلاد اليمن.
(4) ومِن تلاميذه: محمد كُرَيِّم راجح (شيخ القراء بدمشق), وحسين خطّاب (شيخ القراء بدمشق), وأبو الحسن محي الدين بن حسن الكُرْدي.
(5) ولكن الأربعة الأُوَل قرؤوا عليه القراءات العشر من طريقي "الشاطبية" و"الدرة", وأما الباقون فقرؤوا عليه السبع من طريق "الشاطبية", وقرؤوا بالعشر على غيرِه -كأحمد الحلواني الصغير, ومحمود الديرعطاني-.
(6) كنتُ قد جمعتُ ما تيسر لي مِن تواريخ الوفيات في وُرَيْقاتٍ, ولكن ضاعَت مِنّي –
والله المستعان-, ولا أجد الوقت الكافي -حاليا- لإعادة جمعِها مِن جديد.


لمتابعة جديد الموضوع: http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=37449





ملاحظات على تحقيق محمد الهبدان لـ "زاد المستقنع"

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فإننا إذا بَحَثْنا عن أحسن طبعاتِ كتابِ: "زاد المستقنع" وجدنا أن مِن ضمنِها طبعةَ دار ابن الجوزي بتحقيق الدكتور محمد الهبدان, وهي التي قدَّمَها لنيل درجة الدكتوراه, وقرَّظها الشيخُ عبدُ الله بن عقيل شيخُ الحنابلة -رحمه الله-.
وهذه الطبعة تمتازُ على منافستِها -طبعةِ مدار الوطن, بتحقيق عبد الرحمن العسكر, ط2- بأمور:
1- أنها حَوَتْ في بدايتِها مقدمةً مفيدةً حافلةً عن المذهب الحنبلي.
2- أنها ضَمَّت في حاشيتِها عددًا من الفوائد والاستدراكات المفيدة.
3- أنَّ المحقق اتَّبَعَ في عرضِه للمتن طريقةً عصريَّةً جميلةً ومفيدةً؛ وهي تجزئةُ المتنِ إلى فقراتٍ, ثم تجزئةُ الفقراتِ إلى أجزاء, مما يساعد الطالب على الفهم واستيعاب القيود والأنواع والأقسام, وأيضا يساعده على الحفظ. وهناك فائدةٌ أخرى تأتي مِن وراء استعمالِ هذا الأسلوب؛ وهي أن حواشي الكتاب تصبح كبيرةً, وهذا مَغْنَمٌ لأمثالي ممن يحبون أن يكتبوا في حواشي الكتُبِ الفوائدَ والزياداتِ والخلاصاتِ والقيودَ التي يحصلون عليها من الشروح أو غيرِها (ابتسامة).
إلا أني لاحظتُ على هذه الطبعة بعضَ الملاحظات التي أحببتُ التنبيهَ عليها, أذكر مِنها ما يلي:
1- أن تقسيماتِ المحقق في كثير من الأحيان لا تكونُ ناجحَةً؛ بل تكونُ أحيانًا مُوهِمَةً معنًى آخرَ غيرَ ما أراده المؤلف, وأحيانًا أخرى تكونُ مشوِّشَةً للطالب إما بسبب تباعُد الفقرات المرتبطة ببعضِها أو بسبب تجزئتها تجزئة ليست في محلها. وهذا مِن جرّاء مبالغَتِه في استعمال هذا الأسلوب وعدم استخدامِه الاستخدامَ الأمثَل. 
وانظر -على سبيل المثال- الصفحة رقم 45؛ مِن قول العلامة الحجاوي: "طهور..." إلى قوله: "...أو سُخن بالشمس أو بطاهر؛ لم يُكره". وكذا ص77؛ من قول المؤلف: "ويحرم استعمال.." إلى قوله: "على الذكور". تأمَّل كيفية تقسيمِ المحقق للفقرات وتمييزِها, واحكم بنفسك. وأمثِلَةُ هذا كثيرة. 
2- أنه يترُك الكثيرَ من الكلمات المشكِلَةِ التي تحتاجُ إلى ضبطٍ - بدون ضبط, بينما تجدُه في مواضع أُخَر يضبط كلماتٍ لا تحتاج إلى ضبط! وهذا خللٌ.
فمثلا: تراهُ لَم يضبِط مُشكِلَ الكلماتِ الآتية: النجس الطارئ, أو سخن بنجس, النيرين, منقيا... وغير هذا كثير.
بينما تراه يضبط: جُمُعة, استعمالهُمَا... وغير هذا كثير.
بل قد يقعُ منه الخطآن في كلمة واحدة! مثل: "كتجديدِ وضُوءٍ"؛ حيثُ تَرَكَ ضبط الواو التي تُشكِلُ على كثير من المبتدئين؛ وضَبَطَ الضاد التي لا يُشكل ضبطُها على أحد!, ومثل: "بنجسٍ"؛ حيث ترك ضبط الجيم التي تُشكِلُ على كثير من المبتدئين؛ وضَبَطَ السين التي لا يكادُ يُشكل ضبطُها!
3- أنه في عدد من المواضع يستعمل علاماتِ ترقيمٍ في غير محلِّها, وبالمقابل يترك أماكن أُخَرَ تحتاج إلى علامات ترقيمٍ فلا يضَعُها.
انظر -على سبيل المثال- ص55 في قول المؤلف: "ويقول ما ورد"؛ كتبَها المحقق هكذا: "ويقول: ما ورد"! وفي ص46 في قول المؤلف: "ولا يرفع حدث رجل ..."؛ كتبها المحقق هكذا: "ولا يرفع: حدثَ رجُلٍ, طهور يسير"!
بينما كَتَبَ ص47: "هذا مقيد بما إذا لم يمكن تطهير النجس بالطهور كما في المنتهى وغيره"؛ فترك وضْع جملة: "كما في المنتهى وغيره" بين شرطتين أو قوسين! 
4- وجود بعض الأخطاء المطبعية -سواء ما يتعلق بالنَّقط أو ما يتعلق بالشَّكْلِ أو ما يتعلق بالإعراب-. وذلك مثل: "أن تكون الخمار على نساء", و"يُزيِـلُها", و"عاتِـقْـيه", و"لطهارة الحدث كلها", و"ولا تفتِـنَا"... وغير ذلك.

هذا ما تيسر لي كتابتُه في هذه العجالة.
ولعل هناك ملاحظاتٍ أخرى تتعلق بتحقيق النص أو غيرِ ذلك. أنا لَم أُقابل هذه الطبعةَ على النسخ المخطوطة أو على تحقيقات أخرى, ولذا لن أستطيع الحكم بشيء فيما يخص أمر التحقيق.
ولكن أنصحُ مَن أراد أن يعتمِد على هذه الطبعة في دراسته لـ"الزاد" أن يكونَ يَقِظًا لِمِثلِ هذه الأمور التي ذكرتُها, وأن يرجِع إلى الشروح ليفْهَمَ مرادَ المؤلف ويعرِفَ ضبْطَ المُشكِلِ ويتداركَ أخطاء الضبطِ وغير ذلك, وأن يستعين عليها بطبعةٍ أخرى -كطبعة العسكر التي ذكرتُها آنفا- لأجل أن يتأكد مِن صحةِ تحقيقِ النص.
أنا قد اقتنيتُ الطبعةَ الثانية مِن تحقيق الدكتور الهبدان مِن أجلِ المزايا التي ذكرتُها في الأعلى, وأدْرُسُ متنَ "الزاد" معتمِدًا عليها, وأسيرُ على هذا المنهجِ في دراستي, إلا أني لَم أُقابل الطبعة على طبعةٍ أخرى؛ لعدمِ حصولي على طبعةٍ أخرى محقَّقَةٍ. ولكنني مؤخَّرًا اقتنيتُ طبعة العسكر المذكورة -ولله الحمد-, وسأقوم بمقابلةِ المتن من البداية -إن شاء الله-. 
وفَّقَ اللهُ الجميع لما يحب ويرضى.

كتبه
علي المالكي

التفريق بين الشرط وبين الواجب الذي ليس بشرط

قال العلامة صديق حسن خان -في "الدرر البهية" (1/ 252-253 مع "التعليقات الرضية")- :
"والشرطية التي يؤثر عدمها في عدم المشروط -كما قرره أهل الأصول- لا يصلح للدلالة عليها إلا ما كان يفيد ذلك؛ مثل: نفي القبول، أو: نحو: لا صلاة لمن صلى في مكان متنجس، أو: النهي عن الصلاة في المكان المتنجس؛ لدلالة النهي على الفساد(1) .
وأما مجرد الأمر فلا يصلح لإثبات الشروط, اللهم إلا على قول من قال: "إن الأمر بالشيء نهي عن ضده", فليكن هذا منك على ذُكْر، فإنك إن تفطنت له رأيت العجب في كتب الفقه؛ فإنهم كثيراً ما يجعلون الشيء شرطًا ولا يستفاد من دليله غيرُ الوجوبِ، وكثيراً ما يجعلون الشيء واجباً ودليله يدل على الشرطية. والسبب الحامل على ذلك عدمُ مراعاة القواعد الأصولية والذهولُ عنها.
والحاصل أن ما دل على الشرطية دل على الوجوب وزيادة -وهو تأثير بطلان المشروط-، وما دل على الوجوب لا يدل على الشرطية؛ لأن غاية الواجب أن تاركه يُذم، وأما أنه يستلزم بطلان الشيء الذي ذلك الواجب جزءٌ من أجزائه أو عارضٌ من عوارضه - فَلَا.فَمًن حَكَم على الشيء بالوجوب وجَعَل عدمَه موجِباً للبطلان؛ أو حكم على الشيء بالشرطية ولم يجعل عدمه موجباً للبطلان - فقد غفل عن هذين المفهومين.
وفي المقام أدلة مختلفة ومقالات طويلة ليس هذا محل بسطها".

_______________________
(1) قال المعتني: "ليس هذا دائماً. انظر تفصيل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك في "مجموع الفتاوى" (29 / 284)".

من صفات القارئ المتقن

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله, والصلاة والسلام على محمد رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فإنَّنا نرى مَن دَرَسَ النحو وتَشَبَّعَتْ نفسُه به يحب دائمًا سَمَاعَ كلامِ الفُصَحَاءِ, ويتذوَّقُه, ويتأثر به, ويَمُجُّ سمعُه كلامَ اللحَّانِين, ويَعْمَلُ عندَه جرسُ التنبيه عندما يسْمَعُ لَحْنًا, وربما يشتد غضبُه حتى يصدر منه ردُّ فعلٍ كلاميّ وربما فِعْلِيٍّ تجاه اللحان, ومَن طالع تراجمَ بعضِ النحويين رأى ما يُستَغْرَبُ له مِن تعامُلِهم مع اللحَّانين والكلامِ المَلْحُون.
وَنرى كذلك مَن درسَ البلاغةَ ومارسَها حتى أصبح بليغَ النفسِ - يحب دائمًا كلامَ البُلَغَاءِ, ويتذوقه, ويتأثر به, وينفر سمعُه مِن الكلامِ الغَيْرِ بليغٍ.
ونرى مَن درسَ العروضَ وضَبَطَه أو كان شاعرًا بالسليقةِ - يحب الشعر المُتقَن, وينفر مِن سماعِ الشِّعْرِ المُكَسَّر, تجد عنده (ثيرمومترًا) حساسًا للأوزان المكسّرة. 
إلى غير ذلك من الأمثلة... ومَن جَرَّبَ مِثْلَ تجربتي عرف مِثل معرفتي.
هذا هو ما يحصل أيضًا لِمَن يَدْرُسُ التجويدَ ويذوقُ حلاوتَه ويُتقِنُ قراءةَ القرآنِ حتى يُصبِح التجويدُ سجيَّةً وطبعًا له؛ تجده دائمًا يحب سماع تلاوات القراء المتقنين مِن ذَوِي الصَّلَاح, ويتذوَّقُها, ويتأثر بها, ويتدبّر المعاني, وتجده يَنْفِرُ سَمْعُه مِن سماعِ القراءة الملحونة, ويعملُ عنده جرس التنبيه عندما يَمُرُّ اللحنُ بسمعِه, وينفر أيضًا مِن سماعِ القراءةِ المتكلَّفَةِ, والمبالَغِ فيها؛ وذلك لكونِها لا تتوافق مع طَبْعِه الذي هو بعيد عن التكلف والتعسف..
وإن مِن صفاتِ القارئ المتقن: أنك عندما تسمعُه دون أن تراه فإنك لا تعرفُ أعربيٌّ هو أم أعجمي, وإن كان عربيًّا لا تعرف مِن أي بلاد العرب هو! وذلك لأنه أصبح فصيح اللسان, ولم تغلب على لسانِه لهجتُه العامّيّة.
ومِن صفات القارئ المتقن: أنك عندما تسمعُه يقرأ لا تشعر أنه يتكلف؛ وذلك لأن الإتقانَ أصبح طبْعًا له وسجيةً, فتجدُه يقرأ بإتقانٍ ذاتيًّا, حتى لو كان غيرَ منتبِهٍ لذلك -بِأنْ كان يتدبَّرُ الآيات, أو كان خطر بباله موقفٌ يتعلق بما يقرؤه مِن الآيات, أو كان عقلُه مشغولًا بشيءٍ ولو دنيويًّا-, بل حتى لو قرأ شيئًا غير القرآن تجد الفصاحةَ في كلامِه وسلامةَ النطق -دون أن يتكلف ذلك-.
ومن صفات القارئ المتقن: مهارتُه في تخليص الحروف؛ فتجده عندما يقرأ كلمةً تتعاقب فيها الحروف المفخمة والمرققة (مثل: {حصحص}, و{مقتصد}, و{ترهقها قترة}) تجده ينطقها بسلاسةٍ معطيًا كل حرفٍ حقه من التفخيم والترقيق.
ومن صفات القارئ المتقن: أنك تجد أزمنة الحروف في قراءته -سواء أزمنة حروف المد أو أزمنة الغنن أو أزمنة الحروف الساكنة أو المتحركة أو غير ذلك- كأنها مَقِيسَةٌ بالمِسْطَرَة؛ فلا تجده يطيل الأزمنة أكثر من حقها أو يفاوت بين الحرف ونظيرِه, وهذا يأتِي -بعد توفيق الله- مِن الخبرةِ وكثرة الرياضةِ, تمامًا كالخيّاط ومهندس المساحة والقائد العسكري والملّاح ونحوهم؛ تجد أحدهم في بداياته يستعمل أجهزة القياس لقياس المسافات, ثم بعد التمرُّس تجده يقيس بالعين دون الحاجة إلى الأجهزة؛ لأنه أصبح الأمر عنده سجيّة وطبعًا. وقد رأيتُ مِن هذه الأصناف الكثيرَ, بل حتى في غير المسافات -كالأوزان وغيرها-, وأذكر أني رأيتُ بائعًا للخضار يزن بيده دون الحاجة إلى الميزان, فاختبرتُه ذات يوم بأوزان مختلفة؛ فوجدتُه يَزِنُ بيده باحترافيّةٍ؛ حتى إنه يميّز ربع الكيلو جرام؛ فيقول: 3ك وربع, 5 كيلو إلا ربعًا!
ومِن صفات القارئ المتقن: مهارتُه في الوقف والابتداء؛ فتجده يعرف أين يقف ومِن أين يبتدئ, وإذا وقف على حرفٍ مضطرًّا تجده يعرف كيف يقف عليه.

يتبع..

المكتبة المصغَّرة في الفقه وأصوله وقواعده (نسخ مصوَّرة)

بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدُ من أَمَرَنا بالتفقه في الدين, وأشكر مَن أرشَدَنا إلى اتباع سُنَنِ سيّد المرسلين, وأصلي وأسلم على الرسول الأمين, وآله الطاهرين, وأصحابه الأكرمين(1).
أما بعد:
فمساهمةً مني في تقريب العلم بين أيدي طالبيه؛ قمتُ بجمع كُتُبِ المكتبةِ المصغرةِ في الفقه وأصوله وقواعده؛ التي كَوَّنها فضيلةُ الشيخ أ. د. سليمان الرحيلي -حفظه الله- ضمن دروس دورة إعداد المفتي التي كان قد ألقاها العامَ الماضيَ بالجامعة الإسلامية.
وقد حرصتُ عند جمع الكتب على أن أنتقي أَفْضلَ ما أعرفهُ مِن تحقيقاتها وطبعاتها, ولكن -للأسف!- لم يَتَسنَّ لي ذلك في بعض الكتب؛ لعدم وجود الطبعات التي أريدها مصورةً؛ فانتقيتُ مما هو موجود على الشبكة أَفْضَلَها.
أسأل المولى الكريم -جل جلاله- أن يتقبل هذا مني, وأن ينفع به؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
رابط الموضوع:
http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=35826

________________
(1) مقدمة الدرر البهية للإمام الشوكاني.

تراجم القراء المعاصرين

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فمنذ زمن وأنا أعزم على تحقيق فكرة؛ وهي إنشاءُ موضوعٍ أخصِّصُه لتراجم القراء المعاصرين؛ ليعرف القارئُ مواليدَهم ووفياتِهم وبلدانَهم وشيوخَهم وأسانيدَهم ومراتبَهم..., وليعرف -أيضا- عقائدَهم ومناهجَهم.
وقد كان الباعثُ لي على إنشاء هذا الموضوع هو الإحالة عليه عند الحاجة إلى ذلك.
وقد كان يعوقني عن ذلك عدم وجود مَن يساعدني على العمل فيه. ولكن -والحمد لله- وجدتُ مَن سيقوم بتقديم بعض المساعدة لي في هذا الأمر -إن شاء الله-, وسأغتنم هذه الفرصة للعمل في هذا المشروع.
أسأل الله الكريم التوفيق والسداد والهدى والرشاد.

كتبه
أبو عبد الرحمن علي المالكي.

رابط الموضوع:
 http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=36816

الوقف على رءوس الآي

قال ابن الجزري في "المقدمة":
فَالتَّامُ, فَالْكَافِي, وَلَفْظًا: فَامْنَعَـنْ *** إِلَّا رُؤُوسَ الآيِ جَــوِّزْ, فَالْـحَـسَـنْ
قوله: (ولفظاً فامنعن) أي: وإن كان فيه تعلق بما بعده لفظاً –ومعنًى من باب أولى-؛ فامنعن الوقف.
وقوله: (إلا رؤوس الآي جوز) أي: إلا أن يكون هذا في رؤوس الآي فجوز الابتداء بما بعده؛ لأن الوقف على رؤوس الآي ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-, وأيضاً لأن رؤوس الآي فواصل بمنزلة فواصل السجع والقوافي.
ولابن الجزري كلام حول هذا الموضوع –أي: موضوع الوقف على رؤوس الآي- في كتابه "النشر", حيث قال:
"وإن كان التعلق من جهة اللفظ فهو الوقف المصطلح عليه بـ: (الحسن), لأنه في نفسه حسن مفيد يجوز الوقف عليه دون الابتداء بما بعده؛ للتعلق اللفظي, إلا أن يكون رأس آية فإنه يجوز في اختيار اكثر أهل الأداء؛ لمجيئه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أم سلمة -رضي الله عنها-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية؛ يقول: {بسم الله الرحمن الرحيم}, ثم يقف, ثم يقول: {الحمد لله رب العالمين}, ثم يقف, ثم يقول: {الرحمن الرحيم}..." إلى آخر الحديث ([1]), وهو حديث حسن, وسنده صحيح. 
وكذلك عد بعضهم الوقف على رؤوس الآي في ذلك سنة. وقال أبو عمرٍو: "وهو أحب إلي". واختاره أيضاً البيهقي في شعب الإيمان، وغيره من العلماء, وقالوا: الأفضل الوقوف على رؤوس الآيات وإن تعلقت بما بعدها. قالوا: واتباع هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسنته أولى. انتهى كلام ابن الجزري باختصار يسير.
وقال الشيخ ملا علي القارئ: "أجمع القراء على أن الوقف على الفواصل وقف حسن؛ ولو تعلقت بما بعدها".

[1] - رواه أبو داود وغيره, وقال الدارقطني: "إسناده صحيح، وكلهم ثقات", وصححه ابن خزيمة, وصححه النووي في "المجموع".
قال الإمام أبو عمرو الداني: "ولهذا الحديث طرق كثيرة ، وهو أصل في هذا الباب". ثم قال: "وكان جماعة من الأئمة السالفين والقراء الماضين يستحبون القطع على الآيات، وإن تعلق بعضهن ببعض".
فائدة: يريدُ الإمام الداني بقوله "القطع" هنا: الوقفَ, قال الإمام ابن الجزري في "النشر": "هذه العبارات جرت عند كثير من المتقدمين مراداً بها الوقفُ –غالباً-, ولا يريدون بها غيرَ الوقف إلا مقيدة، وأما عند المتأخرين وغيرهم من المحققين فإن القطع عندهم عبارة عن قطع القراءة رأساً، فهو كالانتهاء, فالقارئ به كالمعرضِ عن القراءة والمنتقلِ منها إلى حالة أخرى سوى القراءة, كالذي يقطع على حزبٍ, أو وِردٍ, أو عُشرٍ, أو في ركعة ثم يركع, ونحو ذلك مما يؤذِن بانقضاء القراءة والانتقال منها إلى حالة أخرى، وهو الذي يُستعاذ بعده للقراءة المستأنفة, ولا يكون إلا على رأس آية؛ لأن رؤوس الآي في نفسها مقاطع". اهـ

أخطاء لغوية يقع فيها كثير من المؤذنين

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فعَمَلًا بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة"؛ قمتُ بجمع ما تيسر لي من الأخطاء اللغوية التي وجدتُ عليها كثيرا من مؤذني زماننا -أصلحهم الله-, وهأنذا أضعها بين أيديكم لتتنبهوا لها وتُنبِّهوا إليها.
أولا- أخطاء الأذان: 
في لفظ الجلالة: مد الهمزة (آلله), وتطويل شدة اللام, وتخفيف اللام (أَلَاه), وتطويل ضمة الهاء.
في (أكبر): مد الهمزة (آكبر), وزيادة ألف بعد الباء (أكبار), وقلقلة الكاف, وتطويل زمن سكون الراء حتى تصير راءً مشددة (أكبرّ), فتح الراء وصلًا (أكبرَ الله).
في (أشهد): مد الهمزة (آشهد), وزيادة ألف بعد الهاء (أشهاد), وبعضهم يُثَنّي بتطويل ضمة الدال (أشهادو).
في (إله): تطويل كسرة الهمزة هتى تتولد منها ياء (إيلاه), وتطويل فتحة الهاء حتى تتولد منها ألف (إلاها).
في (محمدا): تطويل ضمة الميم حتى تتولد منها واو (موحمدًا), وتطويل فتحة الحاء حتى تتولد منها ألف (محامدًا), وتطويل فتحة الميم حتى تتولد منها ألف (محمادًا).
في (رسول): تطويل فتحة الراء حتى تتولد منها ألف (راسول).
في (حي): تطويل شدة الياء, وتطويل فتحة الحاء حتى تتولد منها ألف (حايّ), وبعضهم يثني بتطويل فتحة الياء أيضا (حايّا).
في (الصلاة): تطويل فتحة الصاد حتى تتولد منها ألف (الصالاة).
في (الفلاح): تطويل فتحة الفاء حتى تتولد منها ألف (الفالاح).
ثانيا- أخطاء الإقامة:
يقع في الإقامة من الأخطاء كثيرٌ مما مرّ ذكرُه في الأذان, وتزيد الإقامة بما يأتي:
تحريك هاء لفظ الجلالة بالفتح وصلًا.
في (أشهد): جَعْلُ همزتِها همزةَ وصلٍ عند وصلِ ما قبلها بها.
في (الصلاة): حذف الهاء وصلا (حي على الصلا حي... قد قامت الصلا الله أكبر)
في (قد قامت): إبدال الدال تاء (قت قامت), وكسر الدال (قدِ قامت), وتحريك تاء التأنيث بالضم (قامتُ الصلاة).
وصل المتحرك بالسكون: (الله أكبرْ أشهد), (اللهْ أشهد) , (حي على الصلاهْ حي), (حي على الفلاحْ قد), (الله أكبرْ لا إله إلا الله). 

هذا ما تيسر لي جمعُه. وأنتظر ممن عنده إضافة أن يتحفنا بها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

كتبه
علي المالكي

من الأخطاء الشائعة عند كثير من حفاظ القرآن الليبيين

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فمن الأخطاء الشائعة بين كثير من حفّاظ القرآن افي ليبيا: أن ضبط الخراز يختص بعلم الرسم, وأن المصاحف التي على كُتبت على رواية حفص هي على رسم الخراز, وأن المصحف المشتهر باسم "مصحف الجماهيرية" مضبوط على ضبط الداني.
كلماتٌ دَرَجَت على ألسنة كثيرين لا سنام لها ولا خطام, ومن بين أولئك الكثيرين أناس أصحاب شهادات ويقيّمون الحفّاظ على مستوى ليبيا -مع الأسف-! وإليكم هذا المثال: (شهادة صادرة من الإدارة العامة لشئون القرآن الكريم!)
وسبب هذه الأخطاء هو عدم التفريق بين علم الرسم وعلم الضبط من جهة, وعدم معرفة بالمصادر العلمية من جهة أخرى. 
اعلم -وفقك الله- أن علم الرسم يختص بجسم الحرف فقط, دون النقط والحركات والرموز, وأن علم الضبط يختص بالنقط والحركات والرموز. وكل منهما عِلْمٌ برأسِه.
والمصحف المسمى "مصحف الجماهيرية" التزموا فيه اختيارات الإمام الداني في الرسم التزاما تاما. قالت اللجنة التي قامت بإصداره: "آثرْنا أن نرسم هذا المصحف الشريف بالوجه الذي اختاره [الإمام الداني] ونُسِب إليه ويُعرَف به" اهـ.
بينما "مصحف المدينة النبوية" قالت اللجنةُ القائمة عليه: "أُخِذَ هجاؤه عن المصاحف [العثمانية] والمصاحف المستنسَخة منها. وقد روعي في ذلك ما نقله الشيخان: أبو عمرو الداني, وأبو داود سليمان بن نجاح, مع ترجيح الثاني عند الاختلاف غالبًا, وقد يؤخذ بقول غيرهما" اهـ.
وأما ما يتعلق بالخراز؛ فهناك كتاب اسمه: "الطراز على ضبط الخراز" للإمام التَّنَسِي؛ هذا الكتاب اعتمدت عليه كلتا اللجنتين فيما يخص الضبط؛
قالت اللجنة القائمة على "مصحف الجماهيرية": اعتُمد في صحة ضبط المصحف الشريف على التالي:
... ب- "المُحكم" للإمام الداني".
ج- "الطراز على ضبط الخراز" للشيخ التنسي.
د- "دليل الحيران على الخراز" للشيخ المارغني" اهـ.
وقالت اللجنة القائمة على "مصحف المدينة": "أُخذت طريقة ضبطه مما قرره علماء الضبط على حسب ما ورد في كتاب: "الطراز على ضبط الخراز" للإمام التنسي, وغيرِه من الكتب, مع الأخذ بعلامات الخليل بن أحمد وأتباعِه من المشارقة غالبا بدلا من علامات الأندلسيين والمغاربة" اهـ.
وهناك مصحف آخر معروف عند هؤلاء الناس بـ"مصحف الخراز", ولكن لم أستطع الحصول على نسخة منه حتى أنقل منها ما يتعلق بما نحن بصدد الكلام عليه.
وللفائدة أنبه أيضًا على الخطإ الذي يتناقله كثير من الطلبة المبتدئين من أن لقالون من طريق "الشاطبية" سبعةَ ـ أو ثمانيةَ ـ أوجهٍ فقط, وهذا خطأ؛ فإن الأوجه التي تجوز لقالون من طريق "الشاطبية" أكثر من هذا بكثير.وحسبنا ههنا مثالاً واحدًا يبين خطأ تلك المقالة:
قال تعالى: {أثم إذا ما وقع آمنتم به آلان وقد كنتم به تستعجلون}.
لو أردنا قراءة هذه الآية مقتصرين على جَمْعِ الأوجه الجائزة بين المدِّ المنفصل(وفيه وجهان) وميمِ الجمع(وفيها وجهان) و{ءَآلَـٰنَ}(وفيها ثلاثة أوجه) - لأمكَنَنَا أن نقرأها باثني عشر وجهًا!
وفي الجدول التالي بيانُ هذه الأوجه:
المد المنفصل - {ءَآلَـٰنَ} - ميم الجمع
قصر - إبدال مع المد الطويل - إسكان
قصر - إبدال مع المد الطويل - صلة
قصر - إبدال مع القصر - إسكان
قصر - إبدال مع القصر - صلة
قصر - تسهيل - إسكان
قصر - تسهيل - صلة
توسط - إبدال مع المد الطويل - إسكان
توسط - إبدال مع المد الطويل - صلة
توسط - إبدال مع القصر - إسكان
توسط - إبدال مع القصر - صلة
توسط - تسهيل - إسكان
توسط - تسهيل - صلة


فتأمّل.

فيُرجى أن تصحَّح هذه العبارات, وأن لا يتكلم أحدُنا إلا بعلم.

والله الموفق.

كتبه
علي بن أمير المالكي

قال الذهبي في كتابه: "معرفة القراء الكبار":
زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن الحسن بن سعيد بن عصمة بن حمير العلامة تاج الدين أبو اليُمْن الكِنْدي البغدادي التاجر المقرئ النحوي الحنفي شيخ القراء والنحاة بدمشق.
ولد في شعبان سنة عشرين وخمس مئة، وقرأ القرآن تلقينا على أبي محمد سبط الخياط وله نحو من سبع سنين، وهذا نادر، وأندر منه أنه قرأ بالقراءات العشر وهو ابن عشر حجج، وما علمت هذا وقع لأحد أصلا، وأعجب من ذلك أنه عُمِّرَ الدهرَ الطويل وانفرد في الدنيا بعلو الإسناد في القراءات، وعاش بعد ما قرأها بِعِدَّةِ كتبٍ ثلاثا وثمانين سنة، وهذا لا نظير له في الإسلام. اهـ
قال ابن الجزري في كتابه "طبقات القراء":
زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن سعيد بن عصمة بن حمير العلامة تاج الدين أبو اليُمْن الكِنْدي البغدادي التاجر المقرئ النحوي اللغوي الأديب الحنفي نزيل دمشق، ولد في شعبان سنة عشرين وخمسمائة ببغداد، وتلقن القرآن على سِبْطِ الخيّاط وله نحوٌ مِن سبع سنين!, وهذا عجيب, وأعجب من ذلك أنه قرأ القراءات العشر وهو ابن عشر!!, وهذا لا يُعرف لأحد قبله، وأعجب من ذلك طولُ عمره وانفرادُه في الدنيا بعلو الإسناد في القراءات والحديث!!!؛ فعاش بعد أن قرأ القراءات ثلاثاً وثمانين سنة, وهذا ما نعلمه وقع في الإسلام!.

نصيحة باستخدام علامات الترقيم

أخي المؤلف والكاتب, ما الذي سيضرك لو أنك اهتممت بعلامات الترقيم في كتابتك؟!
كثير من الناس حادوا عن الجادة في هذا الباب؛ إما بالإفراط، وإما بالتفريط. 
فتجد منهم من يهملها، وتجد منهم من لا يستعملها إلا قليلا أو على ندرة، وتجد منهم من يسيء استعملها؛ إما بالإفراط، وإما بعدم وضعها في مواضعها اللتي تنبغي لها.
ومما يؤسف له أن من بين من ذكرنا: طلبة جامعيون، وأساتذة، وطلبة علم، ودكاترة...!
ألا تدري أن الاهتمام بهذه العلامات يساعد على الفهم، وعلى القراءة، وعلى تحسين الإلقاء؟
ألا تدري أن الاهتمام بها يساعد الكاتب على الرقي بأسلوبه في الكتابة وعلى التعود على الدقة؟
إن لم يكن ذلك يعني لك شيئا في نفسك؛ فراع غيرك ممن يقرأ ما تكتبه، حتى لا يستصعب فهم كلامك أو يفهمه على غير ما تريد. فإن حاجة الناس إلى استعمال هذه العلامات في زماننا أكثر منها في أي زمن مضى؛ فنحن كلما تأخر الزمن نشاهد العجمة تزداد أكثر! والله المستعان!

الأحد، 13 ديسمبر 2015

يظن كثير من العوام أن القردة والخنازير الموجودة الآن هي ممن مسخهم الله.
وهذا خطأ؛ فقد سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم!- عن القردة والخنازير أهي مما مَسَخَ اللهُ؟
فقال: "إن الله لم يهلك قوما - أو قال: لم يمسخ قوما- فيجعل لهم نسلًا ولا عاقبةً، وإنّ القردة والخنازير كانت قبل ذلك". رواه مسلم.
أحيانا تفاجأ بأنك كنت مخدوعا في بعض الناس؛ يُظهرون السنّة والصلاحَ والإمساكَ عن الكلام فيما لا عِلْمَ لهم به، فإذا بك عندما تنظر في صفحاتهم على مواقع التواصل تتذكر المثل القائل: (تَسمَعُ بالمُعَيّدي خير من أن تراه)!
سبحان الله!
بعض الناس عندما تجالسهم وتتحدث إليهم في المسائل العلمية تجد أنهم على قدرٍ من العلم والرَّصانة ما كنتَ تتوقعُه؛ وذلك لأنهم متواضعون ولا يحبون الظهور ولا الرياسة.
وفي المقابل؛ بعض الناس ممن يشار إليهم بالبنان عندما تناقشهم في مسائل العلم وتتباحث معهم تجد أنهم أقل بكثير مما كنتَ تتوقعه! فيهم شبه بالريحانة؛ ريحها طيب، وطعمها مر.
فنسأل الله أن يرينا قدر أنفسنا، ويرزقنا ألا نتكلم في دينه بجهلٍ ولا نتعدى حدودنا، ويرزقنا الإخلاص والتواضع، ويعيذنا من حب الظهور والرياسة!
اعلم أنه يمكن لكثير من الناس أن يستدلوا على علمك وعقلك وشخصيتك من دون أن يَرَوْكَ، وذلك من خلال أمورٍ، منها:
1- منشوراتك على وسائل التواصل
مثلا بعض الناس تجد منشوراته علمية رصينة، فيها فائدة، وحكمة، وأدب، ومناسبة للمقام، وبعيدة عن الفتن..، تجده يطرق مواضيع جديدة يفيد بها الناس...
بينما مثلا بعض الناس تجد منشوراته هزيلة، لا فائدة فيها تُذكر، بل وقد يكون فيها مضرة وشر...
2- الفوائد التي تنتقيها
قديما قيل: (انتقاء المرء قطعة من عقله)
بعض الناس مثلا تجده ينتقي أشياء هي من أبجديات العلم، وهو يظن أنها فائدة بالمعنى المتعارف عليه بين طلاب العلم..
وبعضهم ينقل كلاما خاطئا وهو يظن أنه فائدة، وهو في الحقيقة شرّ!
وبعضهم ينقل كل ما تقع عليه عينُه بطريقة (نسخ لصق) فلا هو يعي معناها، ولا هو يستفيد منها الفائدة المرجوة..
وفي المقابل عندما تنظر إلى انتقاءات بعض الناس تجد أنها درر تُشد لها الرحال؛ إما قاعدة، وإما ضابط، وإما حكمة، وإما قيود، وإما استنباطات بديعة، وإما نوادر طيّبة، وإما تقاسيم، وإما خبايا زوايا... إلخ
انظر مثلا إلى فوائد ابن القيم؛ تجد أنها فوائد تشد لها الرحال، ودُرَرٌ نفيسة..  ثم قارنها بغيرها، وسترى الفرق.
3- تسجيلات الإعجاب
الأمر هنا شبيه بما قبله، أضف إلى ذلك أن تسجيلات الإعجاب قد تكشف عن مكنونات في شخصية المرء ربما لا يستطيع الإفصاح عنها بنفسه للناس؛ إما خوفا وإما خجلا وإما وإما.. حيث إن الإعجابات لا يتتبعها أحد كالمنشورات؛ فـ(تريح في الزحمة)
فمثلا نرى بعض الناس يُظهر أنه لا يحب المبتدعة، فإذا ما نظرتَ في صفحات بعض المبتدعة تجد تسجيلات إعجاب له!
أنا شخصيا أعذُر بعض الأشخاص في هذه الأمور وأحمل تصرفاتهم على المحمل الحسن؛ لأنهم أهلٌ لحسن الظن، حيث إنهم قد يبدوا لهم أن يسجلوا إعجابات ببعض الصفحات السيئة لمتابعة جديدها من أجل الرد عليهم في حينها، وهذا الذي بدا لهم قد يكونون مصيبين فيه وقد يكونون مخطئين، الله أعلم، لكن بالنسبة لأشخاصهم أَحْمِلُ ما فعلوا على المحمل الحسن.
4- أسلوبك في الكتابة
بعض الناس تجد في كتاباته الأخطاء النحوية، والصرفية، والإملائية، واللغوية، والبلاغية، والأدبية، والعلمية، وتجد فيها ركاكة الأسلوب، والبعد عن جادّةِ المنهج العلمي، فإذا نظرتَ إلى كتاباته تعرف أن هذا الشخص ليس طالب علم.
بينما بعض الناس لا تجد في كتاباته تلك الأخطاء، وتجد فيها السير على جادة المنهج العلمي، وتجد فيها المتانة والرصانة، وتجده يعتني بعلامات الترقيم بلا إفراط ولا تفريط، وتجده يفصل في مقام التفصيل، ويُجمل في مقم الإجمال، ويبين في مقام الغموض، وويُبهم في مقام الإبهام، ويستعمل المستعمَل من الكلام ويبتعد عن الوحشيّ منه، ويستخدم الألفاظ العذبة الذيذة إلى الأسماع، ويصور لك الوقائع بالكلام فتصير كأنك تراها رأي العين، ويستعمل الأساليب العلمية في أيصال العلم وتيسيره، ويربط الأفكار، ويتعني بتَسَلْسُلِها التسلسلَ المنطقيَّ السليم، ويعزو النقول إلى مصادرها، ويتثبت من صحتها لفظا ومعنى... إلى غير ذلك.
وقد قيل قديما: (البيان مِن نتاج العلم، والعِيُّ مِن نتاج الجهل).
6- طريقة نقدك للآخرين أو ثنائك عليهم
هناك مَن ينقد لمجرد النقد، وينقد بما لا يصح أن يُنتقد به المرء، وينقد بغير علمٍ، وينقد قبل أن يفهم الكلام، ولا يحمل الكلام على المحمل الحسن حين يستحق أن يُحمل، ويسيء الظن بالناس حين لا يصح أن يُساء، ويستعمل العاطفة والحميّة بدل العلم والحكمة، ويردّ بردود لا مكان لها في العلم.
أيضا بعض الناس في باب المدح تجده يمدح مدحًا أعمى، ويعطي الممدوح ما لا يستحقه من الألقاب والصفات أصلا، ويصير عنده خطأُ الممدوح صوابا لأنه لا يبصر عيوبَه...
بينما تجد من الناس من إذا انتقد او مدح فإنه يبني ذلك على أساس علميّ شرعي، ولا يفرط أو يفرط في مدح ولا قدح...
7- طريقة تناولك للمسائل العلمية
وذلك من حيث كونك تتناولها من منظور علميّ أو من منظور الجهل أو العاطفة أو الميول أو الحميّة
8- اهتماماتك
اهتمامات المرء تدل على شخصيته وطريقة تفكيره
 فمثلا الذي له اهتمام بكتب الأدب والبلاغة يدل هذا على أنه هادئ الطبع صاحب ذوق
والذي له اهتمام بأصول العلوم في بداياته يدل هذا على أنه مرتَّبٌ يحب التأصيل والبناء السليم ودخول البيوت من أبوابها
والذي له اهتمام بالفتاوى ولمّا يتأصل يدل هذا على أنه غير مرتب، ولا يعرف كيفية التأصيل، ويدل أيضا على أنه كسول لا يجد القوة والصبر على التأصيل، ويدل أيضا على أنه (يحب أن يطير ولمّا يُريِّش) وأن (يتوبب قبل أن يتحصرم).
والذي له اهتمام بالغرائب والنوادر ووحشي الكلام وشواذ المسائل يدل هذا على أن لديه حبا للظهور والإغراب ولفت أنظار الناس واستقطاب الرَّعاعِ والطَّغَام
والذي له اهتمام بالعلوم والمسائل التي تحتاج ذكاء وفطنةً يدل هذا على أنه ذكي
وهكذا
9- ردود أفعالك
إذا أخطأ أحد في حقك أو ظلمك أو سبك أو شتمك أو أو؛ ردُّ فعلك تجاهه يدل على شخصيتك؛ عصبي، هادئ، حكيم، ضعيف الشخصية، مُجامل، سيئ الأدب، مؤدب...
10- أصدقاؤك على مواقع التواصل الذين تُكثر التواصل معهم وتبادل المنشورات معهم
يكفي في هذا قول النبي -صلى الله عليه وسلم!-: "المرء على دين خليله"
11- المجموعات التي تشترك فيها
هذه النقطة تلتقي مع النقطة الثامنة والعاشرة
مثلا المجموعات قد تكون منشوراتها علميةً محضةً بأسلوب علميّ؛ فكونُك من مرتاديها يدل على أنك تحب العلم والأسلوب العلمي
وقد يكون منشوراتها غرائب ووحشيات ونوادر وقصص؛ فكونك من مرتاديها يدل على أنك (واحد فاضي) وتحب اللهو واللعب أكثر من الجد والحزم
والمجموعات التي أصحابها من أصحاب المناهج المميعة -كحال أصحاب الحلبي والمأربي وأضرابهم-؛ كونُك من مرتاديها يدل على أنك مائع في دينك أو تميل إلى الميوعة
والمجموعات التي أصحابها من أصحاب الاتجاه الحدادي والمتشدد؛ كونك من مرتاديها يدل على أنك متشدد او تميل إلى التشدد
وهكذا
12- تصاميمك
اختيارك للألوان والخطوط والمؤثرات والخلفيات والصور وترتيبك لعناصر التصميم وتنسيقك لها يدل على ذوقك ومدى صفاء ذهنك وسِعَةِ خيالك ومدى قدرتك على تصوير ما في خيالك
13- العلماء الذين تُكثر من قراءة كتبهم
وهذا أيضا له ارتباط بما قبله
ومعنى هذه النقطة أن إكثارك مِن القراءة والاستماع لعالمٍ ما ، وكان هذا العالم يغلب عليه جانب معين؛ فهذا يدل على أنك تميل إلى هذا الجانب الذي غلب على هذا العالم.
14- ملخصاتك لكلام العلماء
عندما تلخص كلامًا أو كتابا؛ فإنّ الناظر إلى حجم الملخَّص من جهة، وإلى مدى احتوائه مع ذلك على مقاصد الكلام الأصلي واستيفائه لها من جهة، وإلى سهولة أو صعوبة الأسلوب من جهة، وإلى انتقائك لما توردُه في التلخيص وما تستغني عنه من جهة، وإلى ترتيب المعلومات من جهة، وإلى تكرارك للألفاظ والمعاني أو عدمه من جهة؛ يمكنه أن يحكم على عدة أمور، منها: مقدرتك على فهم مقاصد ومعاني الكلام، وجودة انتقائك لما يستحق الذكر وما لا يستحق، ومقدرتك على الإتيان بالمعنى الكثير في اللفظ القليل، وجودة أسلوبك من حيث السهولة والصعوبة، وجودة ترتيب أفكارك.
15- استدلالاتك
بعض الناس إذا استدل تجد أن المقدمات التي بنى عليها استدلالَه والأدلة التي استدل بها سليمة صحيحة، وتجد أن النتائج التي بناها على ما سبق صحيحة سليمة وفي محلها.
وهذا يدل على الذكاء وسلامة القريحة وجودة التفكير
بينما تجد بعض الناس إذا استدل فإما يبني على مقدمات خاطئة، وإما يستدل بدليل ضعيف، وإما يخرج بنتيجة خاطئة
فإذا نظرتَ إلى الدليل وإلى استدلاله يخطر ببالك قول القائل:
سارت مُشَرِّقةً وسِرْتُ مُغَرِّبًا *** شتان بين مُشَرِّقٍ ومُغَرِّبِ

هذه الكلمة خاطرةٌ ارتجالية كتبتُها على عجل، ولكن أرجو أن يكون فيها إشارةً لمن هو فَطِنٌ ويكتفي بالإشارة ومختصر العبارة.
وأرجو ممن وجد فيها ما يستحق التنبيه أن ينبهني عليه -مشكورا-.
وأرجو ممن يستطيع أن يطرق هذا الموضوع بأحسن من هذا وأكثر تفصيلا أن يقوم بذلك مشكورا؛ لأنه موضوع مهم ويستحق الكتابة فيه -كما لا يخفى-.

كتب
علي المالكي