الجمعة، 28 أكتوبر 2016

الألقاب والأوصاف العلمية

من المسائل المهمة التي ينبغي لنا معرفتها ومراعاتها: مسألة إطلاق الألقاب والأوصاف على أهل العلم.
أي: معرفة معنى مصطلح: (الفقيه)، ومصطلح: (المحدث)، ومصطلح: (المفسر)، ومصطلح: (الحافظ)... إلخ، ومعرفة كيفية تنزيل هذه الأوصاف على أهل العلم.
لأننا نرى بعض الناس يخبطون خبط عشواء في هذه المسألة، فيطلقون هذه الألقاب بلا علمٍ لا بمعانيها ولا بأحوال من يطلقون عليه هذه الألقاب من أهل العلم، فحينئذ إما أن يعطونهم منها ما ليس لهم، أو يسلبون منهم ما لهم.
فمثلا: يصف بعض أهل العلم بقوله: (المحدث الفقيه المفسر الأصولي)، بينما الواقع أنه فقيه فقط، أو أصولي فقط، أو فقيه أصولي فقط، أو أنه مفسر لغوي... وهلم جرا.
فأنا سأضع بعض رءوس الأقلام للنقاش في هذه المسألة، وأرجو من مشايخنا الكرام –حفظهم الله!- إثراء هذا النقاش حتى نستفيد من علمهم ونستضيء بفهمهم.
- من العلماء من يكون له تخصص في علمٍ واحدٍ، ومنهم من يكون له تخصص في علمين، ومنهم من يكون له تخصص في ثلاثة علوم...، ومنهم من يمن الله عليه فيتخصص في أكثر العلوم، كما حصل لشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرِه من النوادر في هذه الأمة، وفي الغالب أن المتخصص منهم يكون ملمًا ببقية العلوم.
- ليس كل من شرح كتابا في علمٍ ما أو ألف كتابا فيه - يكون متخصصا في هذا العلم، نعم إذا أكثر العالمُ التأليف والشرح في علمٍ ما فهذه علامة على تخصصه فيه، ولكنها وحدها لا تكفي؛ لأن التخصص لا يقف عند حد كثرة التأليف –كما لا يخفى-.
- على طلب العلم أن يتعرف على معاني المصطلحات التي تُطلق ألقابا، كالتي ذكرناها آنفا، ومن أفضل المظانّ التي يجد فيها ذلك: مقدمات العلوم، ومَدَاخِل العلوم، معاجم مصطلحات العلوم، كتب تراجم وطبقات علماءِ فنٍّ ما.
ولا بد من مراعاة تغيُّر المصطلحات بتغير الأزمنة والأمكنة، فقد يُطلق وصفٌ عند المتقدمين بمعنى ضيق، ثم يتسع هذا المعنى عند المتأخرين، فلا بد أن تكون على إلمام بتطور معاني تلك المصطلحات.
ولا بد من ملاحظة بعض الاصطلاحات الخاصة عند بعض العلماء التي تكون أوسع أو أضيق أو مختلفة عن المعنى المشهور لهذه الاصطلاحات.
أيضا لا بد من ملاحظة أن بعض العلماء عندهم تساهل في إطلاق الأوصاف. 
- مما يساعدك في معرفة ما لو كان العالم الفلاني متخصصا في العلم الفلاني أم لا؛ كتب الطبقات، وكتب التراجم، سواء أكانت عامة، أم كانت خاصةً بفن من الفنون –ككتب طبقات الحفاظ، وطبقات الفقهاء، وطبقات المفسرين، ومعجم المفسرين، وطبقات النحوين...-، بشرط أن يكون المؤلف غير متساهل في إطلاق الأوصاف والألقاب.
- إضافة إلى ذلك ينبغي معرفة بعض الاصطلاحات الأخرى غير الألقاب المتعلقة بالتخصص في العلوم، وذلك مثل: (الإمام) و(المحقق) و(المتفنن) و(المشارك) و(العلامة) و(المجتهد)...، وأيضا المصطلحات الأكاديمية المعاصرة نحو: (أستاذ مساعد)، (أستاذ مشارك)، (أستاذ دكتور)... .

تكملة الموضوع على هذا الرابط: http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=46036

الثلاثاء، 25 أكتوبر 2016

(ها) و(يا) من فاتحة سورة مريم في رواية قالون من طريق الشاطبية

لقالون من طريق الشاطبية في (ها) و(يا) من فاتحة سورة مريم - له التقليل وجها واحدا.
ومع الأسف؛ كثير من المحررين المتأخرين يمنعون هذا الوجه من طريق «التيسير» بحجة أنه خروج من الداني عن طريقه، وبناء على ذلك يمنعونه من طريق «الشاطبية»، ويُلزمون الشاطبي والداني بوجه الفتح بحجة أنه قراءة الداني على أبي الفتح!
وهذه بعض النقول عن بعضِ كبار علماء الفن تؤيد ما ذكرتُ وتبين خطأ إولئك: 
قال الشاطبي: 
وَذو الرَّا لِوَرْشٍ بَيْنَ بَيْنَ وَناَفِعٌ ** لَدى مَرْيَمٍ هَايَا وَحَا جِيدُهُ حَلَا
قال السخاوي: «(ذو الرا) أراد ما فيه الراء نحو: {الر} و{المر} وكذلك {حم} أماله ورش مع أبي عمرو بين بين، وأمال قالون معه الهاء والياء في {كهيعص}» اهـ.
وقال أبو شامة: «جمع في هذا البيت ذِكْرَ من أمال شيئا من ذلك بين بين، فورشٌ فعل ذلك في (را) مِن {الر} و{المر}، ونافع بكماله في (ها) [و] (يا) أولَ مريم» اهـ.
وذكر ابنُ الجزري في «النشر» (ج2 ص67-69) أنه قد اختُلف عن قالون في هذا الموضع، وأن صَاحِبا «التَّيْسِيرِ» وَ«الشَّاطِبِيَّةِ» رويا له بين بين.
واعلم أنه لم يَنتقد الشاطبيَّ أيُّ واحدٍ من هؤلاء العلماء ولا غيرهم من المتقدمين ممن وقفت على كلامهم، فأي الفريقين أحق بأن يُؤخذ بقوله؟
كتبه 
علي المالكي

اجتماع {التوراة} والمد المنفصل وميم الجمع في رواية قالون من طريق الشاطبية

اجتماع {التوراة} والمد المنفصل وميم الجمع في رواية قالون من طريق الشاطبية
======================
إذا أردنا حساب الأوجه العقلية الناتجة عند اجتماع هذه الثلاثة؛ نقوم بضرب 2×2×2 فيكون المجموع 8 . هذه الثمانية الأوجه اختلف العلماء هل كلها تجوز من طريق «الشاطبية» أم بعضُها فقط؟ قولان: بعضهم يرى جوازها كلها، مستدلين بإطلاق الشاطبي، والبعض الآخر يرى أن الجائز منها خمسة فقط، بيانها في الجدول التالي:
التوراة المد المنفصل ميم الجمع
الفتح القصر الصلة
الفتح المد السكون
التقليل القصر السكون
التقليل المد الصلة
التقليل المد السكون

وقد جَمَع الحُسينيُّ هذه الأوجهَ الخمسةَ الجائزةَ في قوله: 
إذا جامعَ التوراةَ ميمٌ ومنفصِلْ ** مع الفتح والإسكانِ فالقصـرُ أُبطِلا
ومعْ وصلِ ميمِ الجمعِ والفتحِ فاقصُرا ** ومهمـا تسكِّـن مُدَّ واقصُـر مقلِّلا
ومُدَّ بوصلٍ حيثُ كنتَ مقلِّلا ** فخمسٌ لقالونٍ من الحرزِ تُجتلا

وجَمَعَ الشيخ أيهاب فكري الأوجه الثلاثة الممتنعة في قوله:
لقالونَ في {التوراةِ} منفصلٍ صِلَهْ ** ثلاثٌ أبى بعضهمْ فمعْ فتحِها فلا
سكونَ مع القصـرِ [أو] مَـدَّ معْ صـلهْ ** ولا قصـر حـال الوصـلِ تتلو مقلِّلا

وقال شيخنا إبراهيم كشيدان:
ونحوُ {ما أنتم} مع {التوراةِ} ** ثلاثةٌ محظورةٌ ستاتي
فتـحٌ وقصـرٌ معَها سكونُ ** فتحٌ ومدٌّ صلةٌ تَبينُ
تقليـلُ توراةٍ وقصـرُ المنفصلْ ** معْ صلةِ الميمِ ثلاثٌ ما نُقِلْ
وما سواها جائزُ افهمَنْها ** خمسةُ أوجهٍ أَخِي احفظَنْها

وحجة أصحاب هذا القول أن هذا هو مقتضى تحرير الطرق، وقد جاء بيان ذلك جواب لابن الجزري على سؤالٍ رُفِعَ له مِن «تِبْريز» حول هذه المسألة، نقله الشيخ سلطان بن أحمد المَزَّاحيّ في رسالته المسماة: «رسالة في أجوبة المسائل العشرين»، وهذا نص جوابه:
«إن لقالون فيما إذا اجتمع ميم الجمع مع {التوراة} مع المنفصل من طريق «الطيبة» - ثمانيةُ أوجه:
الأول– الصلة مع الفتح والقصر. وهو قراءة الداني على أبي الفتح من طريق أبي نشيط، وهو من «الشاطبية» و«التيسير». 
الثاني– الصلة مع بينَ بينَ والقصر. وذلك من طريق الحلواني، وهو قراءة الداني على أبي الفتح عن السامري، وهو من «الهداية» و«تلخيص ابن بَلِّيمَة»، وليس ذلك في «التيسير» ولا في «الشاطبية».
وكذلك الثالث، وهو الصلة والفتح مع المد. وهو من «غاية أبي العلاء» و«الكامل» للحلواني.                     
الرابع– الصلة مع بينَ بينَ والمد. وهذا لأبي نشيط من «تلخيص ابن بليمة» و«التبصرة» لِمَكّيّ، وهذا من كتاب «الشاطبية»، وهو أيضًا للحلواني في «المبهج» ـ على ما صح ـ
الخامس– الإسكان مع بين بين والمد. وتلك من طريق أبي نشيط، وهو من «التيسير» و«الشاطبية»، وبه قرأ الداني على أبي الحسن ابن غلبون، وكذا هو من «تذكرته»، ومن «الهداية» و«التبصرة» و«الكافي» «المبهج».
السادس– الإسكان مع الفتح والمد. وهو لأبي نشيط من «الكامل»، ومن طريق أبي نشيط أيضًا والحلواني من «غاية أبي العلاء».                                                                                السابع– الإسكان مع الفتح والقصر. وهو للحلواني من «التجريد» و«إرشاد أبي العز» ومن «المصباح».
الثامن– الإسكان مع بين بين والقصر. وهو للحلواني من كتاب «تلخيص ابن بليمة»، وبه قرأ الداني على أبي الفتح مِن قراءتِه بذلك على السامري من طريق أبي مِهران عن الحلواني، وهو أيضًا لأبي نشيط من كتاب «الكافي» لابن شُرَيْح؛ فيجوز من طريق «الشاطبية»» اهـ. مع أنه في «النشر» لم يُورِد هذا التفصيل. 
والذي يهمنا الآن هو: هل إطلاق الشاطبي يقتضي أنه لا يمنع أي وجه يترتب على اجتماع هذه الثلاثة؟ أم أن كلامه يقيَّد بكلام ابن الجزري؟
الذي يظهر -والله أعلم- هو الأول، وذلك لأنه لا يقيَّدُ كلامُ المؤلف إلا بيقين، ولا يُنسَبُ لساكتٍ قَوْلٌ، ونحن هنا لم نقف من المقيدات اليقينية على شيء، ولا نستطيع أن ننسب له قولا يخالف ظاهرَ كتابه، إذ إن سكوتَه عن المنع يجعلنا نمسك عن أن ننسبه له. وتفصيلُ ابن الجزري نستفيد منه العزو نَعَمَ، ولكن لا نستفيد منه تقييدَ كلام الشاطبي؛ لأنه قد يكون الشاطبي قال بالأوجه التي ليست من طريقه اختيارا منه، وكذلك لا نستفيد من كلامه أن الاوجه التي ليست من طريق الشاطبي تُمنع، فكما ذكرنا في المقدمات أن عبارة: (هذا الوجه خروج عن من طريقه) لا تقتضي منعه. وقد كنتُ في أصل الكتاب قد اعتمدتُ المذهب الآخر، ولكن هذا ما ظهر لي الآن. والله أعلم بالصواب. 

كتبه
علي المالكي

الأربعاء، 19 أكتوبر 2016



الروابط
رابط صفحة التنزيل:
https://goo.gl/iyJikb
رابط التنزيل المباشر:

https://goo.gl/hNespp                        

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2016

كيفية الإشمام في {سيء} و{سيئت} في رواية قالون من طريق الشاطبية

قال الداني في «جامع البيان»: «وحقيقة الإشمام في هذه الحروف: أن تنحى بكسر أوائلها نحو الضمة يسيرا؛ دلالةً على الضم الخالص قبل أن تُعَلَّ» اهـ.
وقال السخاوي: «وحقيقة هذا الإشمام: أن تنحو بكسرة فاء الفعل نحو الضمة، فتمالُ كسرةُ فاءِ الفعل، وتميل الياء الساكنة بعدها نحو الواو قليلا؛ إذ هي تابعة لحركة ما قبلها. 
والعلماء يعبرون عن هذا بالإشمام، والروم، والضم، والإمالة.
وإنما اختار من هذه الألفاظ الإشمام لأنها عبارة عامة النحويين وجماعة من القراء المتأخرين، وفي العبارة بها تنبيه على أن أول الفعل لا يُكسر كسرة خالصة. 
والذين سموه رومًا قالوا: هو روم في الحقيقة، وتسميته بالإشمام تَجَوُّزٌ في العبارة.
والذين سموه ضما -وهم عامة القراء- فإنما عبروا عنه بذلك كما عبروا عن الإمالة بالكسر تقريبا ومجازا، لأن الممال فيه كسر، وهذا فيه شيء من الضم.
والذين عبروا عنه بالإمالة فلأنه قد دخله من الخلط والشوب ما دخَل الإمالة، فالحركة ليست بضمة محضة ولا كسرة خالصة، كما أن الإمالة ليست بكسر محض ولا فتحٍ خالص» اهـ ملفقا من موضعين من شرحه.
وقال أبو شامة في (إبراز المعاني): «والمراد بالإشمام في هذه الأفعال أن ينحى بكسر أوائلها نحو الضمة وبالياء بعدها نحو الواو، فهي حركة مركبة من حركتين كسر وضم، لأن هذه الأوائل وإن كانت مكسورة فأصلها أن تكون مضمومة؛ لأنها أفعال ما لم يسم فاعله؛ فأشمت الضم دلالة على أنه أصل ما يستحقه، وهو لغة للعرب فاشية، وأبقوا شيئا من الكسر تنبيها على ما استحقته هذه الأفعال من الاعتلال» اهـ.
وقال أبو محمد المالقي: «اعلم أن حقيقة هذا الإشمام أن تضم شفتيك حال النطق بكسرة القاف من {قيل} والغين من {غيض} والجيم من {جائ}، فيخرج صوت الكسرة مشوبا بشيء من لفظ الضمة من غير أن ينتهي إلى الضم الخالص، ويصحب الياء التي بعد هذه الكسرة شيء من صوت الواو من غير أن ينته إلى الواو الخالصة، بل لا بد من أن يكون الغالب في النطق لفظ الكسرة ولفظ الياء» اهـ. 
فما ذُكر في كلام هؤلاء العلماء هي الكيفية المختارة في أداء هذا الإشمام.
وأما الكيفية الشائعة بين كثير من القراء في زماننا (وهي أن تجعل فاءَ الفعل محركةً بحركتين متتاليتين، أولاهما ضمة، والثانية كسرة، ويكون زَمَنُ جزءِ الضمّةِ أقلَّ مِن زَمَنِ جزءِ الكسرةِ، ثم تُتبِعُ هذه الكسرة بياء مدية محضة، وهذه الياء هي عين الفعل، وسببُ تمحُّضِها أن الذي سبقها هو جزء الكسرة) هذه الكيفية هي مذهبٌ لبعض القراء، ولكن الكيفية التي يُفسَّرُ بها كلامُ الشاطبي هي ما نص عليها السخاوي والداني؛ لأن السخاوي تلميذ الشاطبي، وهو مِن أدرى الناس بمراده بكلامه، ولأن الدانيَّ صاحبُ طريقِه.

السبت، 8 أكتوبر 2016

مذهب الشاطبي في {نِعما} و{تَعدوا} و{يَهدي} و{يـَخصمُون}

مذهب الشاطبي في {نِعما} و{تَعدوا} و{يَهدي} و{يـَخصمُون} هو الاختلاس فقط. وهذه بعض النصوص تؤيد ذلك:

قال الشاطبي في {نعما}:
نِعِمَّا مَعاً في النُّونِ فَتْحٌ كَمَا شَفَا ** وَإِخْفَـاءُ كَسـْرِ الْعَيـْنِ صِيغَ بِهِ حُـلَا
قال ابن القاصح: «...ثم أخبر أن المشار إليهم بالصاد والباء والحاء في قوله: (صيغ به حلا) وهم شعبة وقالون وأبو عمرو قرءوا بإخفاء كسرة العين، والمراد بالإخفاء هنا اختلاس كسر العين...» هـ.
وقال ابن الجزري في «النشر»: «...وَاخْتُلِفَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَقَالُونَ وَأَبِي بَكْرٍ؛ فَرَوَى عَنْهُمُ الْمَغَارِبَةُ قَاطِبَةً إِخْفَاءَ كَسْرَةِ الْعَيْنِ لَيْسَ إِلَّا، يُرِيدُونَ الِاخْتِلَاسَ فِرَارًا مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ، وَرَوَى عَنْهُم الْعِرَاقِيُّونَ وَالْمَشْرِقِيُّونَ قَاطِبَةً الْإِسْكَانَ، وَلَا يُبَالُونَ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ لِصِحَّتِهِ رِوَايَةً وَوُرُودِهِ لُغَةً، ...وَرَوَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا عَنْهُ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَالْإِسْكَانُ آثَرُ، وَالْإِخْفَاءُ أَقْيَسُ.
قُلْتُ: وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ، غَيْرَ أَنَّ النَّصَّ عَنْهُمْ بِالْإِسْكَانِ، وَلَا يُعْرَفُ الِاخْتِلَاسُ إِلَّا مِنْ طُرُقِ الْمَغَارِبَةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ كَالْمَهْدَوِيِّ وَابْنِ شُرَيْحٍ وَابْنِ غَلْبُونَ وَالشَّاطِبِيِّ، مَعَ أَنَّ الْإِسْكَانَ فِي «التَّيْسِيرِ»، وَلمْ يَذْكُرْهُ الشَّاطِبِيُّ» اهـ. 

وقال الشاطبي في {تعدوا}:
بِالاِسْكَانِ تَعْدُوا سَكِّنُوهُ وَخَفِّفُوا ** خُصُوصاً وَأَخْفَى الْعَيْنَ قَالُونُ مُسْهِلَا
قال ابن القاصح: «... ثم أخبر أن قالون أخفى العين، أي اختلس حركتها...» اهـ.
وقال ابن الجزري في «النشر»: «... واخْتُلِفَ [عن قالون] فِي إِسْكَانِ الْعَيْنِ وَاخْتِلَاسِهَا؛ فَرَوَى عَنْهُ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ طَرِيقَيْهِ إِسْكَانَ الْعَيْنِ مَعَ التَّشْدِيدِ، وَهَكَذَا وَرَدَت النُّصُوصُ عَنْهُ، وَرَوَى الْمَغَارِبَةُ عَنْهُ الِاخْتِلَاسَ لِحَرَكَةِ الْعَيْنِ -وَيُعَبِّرُ بَعْضُهُم عَنْهُ بِالْإِخْفَاءِ- فِرَارًا مِنَ الجَمْعِ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ، وَهَذِهِ طَرِيقُ ابْنِ سُفْيَانَ وَالْمَهْدَوِيِّ وَابْنِ شُرَيْحٍ وَابْنِ غَلْبُونَ وَغَيْرهمْ لَمْ يَذْكُرُوا سِوَاهُ، وَرَوَى الْوَجْهَيْنِ عَنْهُ جَمِيعًا الحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، وَقَالَ: إِنَّ الْإِخْفَاءَ أَقْيَسُ وَالْإِسْكَانَ آثَرُ» اهـ.

وقال الشاطبي في {يهدي}:
وَيَـا لاَ يَهَـدِّي اكْسـِرْ صَفِيًّا وَهَـاهُ نَـلْ ** وَأَخْفَى بَنُو حَمْدٍ وَخُفِّفَ شُلْشُلَا
قال ابن القاصح: «...ثم أخبر ان المشار إليهم بالباء والحاء في قوله: (بنو حمد) وهما قالون وأبو عمرو أخفَيا؛ يعني حركة هائه...» اهـ.
وقال ابن الجزري في «النشر»: «...وَرَوَى أَكْثَرُ الْمَغَارِبَةِ وَبَعْضُ الْمِصْرِيِّينَ عَنْ قَالُونَ الِاخْتِلَاسَ كَاخْتِلَاسِ أَبِي عَمْرٍو سَوَاءً، وَهُوَ اخْتِيَارُ الدَّانِيِّ الَّذِي لَمْ يَأْخُذْ بِسِوَاهُ مَعَ نَصِّهِ عَنْ قَالُونَ بِالْإِسْكَانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَكِّيٌّ وَلَا الْمَهْدَوِيُّ وَلَا ابْنُ سُفْيَانَ وَلَا ابْنَا غَلْبُونَ غَيْرَهُ، ...وَرَوَى الْعِرَاقِيُّونَ قَاطِبَةً وَبَعْضُ الْمَغَارِبَةِ وَالْمِصْرِيِّينَ عَنْ قَالُونَ الْإِسْكَانَ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ وَالْمُسَيِّبِيِّ، وَأَكْثَرُ رُوَاةِ نَافِعٍ عَلَيْهِ، نَصَّ الدَّانِيُّ فِي «جَامِعِ الْبَيَانِ»، وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ «الْعُنْوَانِ» لَهُ سِوَاهُ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي «الْكَافِي» اهـ.

وقال الشاطبي في {يخصمون}:

وَخَا يَخْصِمُونَ افْتَحْ سَمَا لُذْ وَأَخْفِ حُلْـ ** ـوَ بَرٍّ وَسَكِّنْهُ وَخَفِّفْ فَتُكْمِلَا
قال ابن القاصح: «...ثم أمر بإخفاء فتح الخاء للمشار إليهما بالحاء والباء في قوله: (حلو بر) وهما أبو عمرو وقالون. والمراد بالإخفاء: الاختلاس» اهـ.
وقال ابن الجزري في «النشر»: «...فَأَمَّا قَالُونُ فَقَطَعَ لَهُ الدَّانِيُّ فِي «جَامِعِ الْبَيَانِ» بِإِسْكَانِ الخَاءِ فَقَطْ...، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ قَاطِبَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ «الْعُنْوَانِ» لَهُ سِوَاهُ، وَقَطَعَ لَهُ الشَّاطِبِيُّ بِاخْتِلَاسِ فَتْحَةِ الْخَاءِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَغَارِبَةِ، وَهُوَ الَّذِي فِي التَّذْكِرَةِ لِابْنِ غَلْبُون نَصًّا، وَفِي «التَّيْسِيرِ» اخْتِيَارًا، وَذَكَرَ لَهُ صَاحِبُ «الْكَافِي» الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَذَكَرَ لَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ بَلِّيمَةَ فِي «تَلْخِيصِهِ» وَغَيْرُهُ إِتْمَامَ الْحَرَكَةِ كَوَرْشٍ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي عَوْنٍ عَنِ الْحُلْوَانِيِّ عَنْهُ فِيمَا رَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ وَغَيْرُهُ، وَرِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ قَالُونَ أَيْضًا» اهـ.
فبان بوضوح أن طريق «الشاطبية» هو الإخفاء فقط. وظهر خطأُ الذين يلزمون الشاطبي بالأخذ بوجه الإسكان أيضا بحجة أن الدانيًّ ذَكَرَ في «التيسير» الوجهين وجعل النصَّ عن قالون بالإسكان؛ وذلك لِـما سَبَقَ تقريرُه في المقدمات من أن القارئ لا يلزمه أن يأخذ بجميع ما في طريقه. 
أيضا بعضُ هؤلاء المحررين جَعَلَوا مِن مسوغات الإلزام أنّ الإسكان هو رواية العراقيين والمشرقيين قاطبة وأما الاختلاس فلم يُعرف إلا من طريق المغاربة. هكذا قالوا. ولا وجه له؛ لأن وجه الإخفاء ما دام صحيحا فلا يضُرُّ الشاطبيَّ اختيارُه دون الإسكان وإن لم يكن هو المشهورَ، فهو فعل ذلك موافقةً لأهلِ قُطْرِه المغاربة؛ إذ هو اختيارهم، لصعوبة وجه الإسكان؛ لأن فيه تتالي ساكنين صحيحين.

 مقتبس من كتابي: (شرح قرة العيون)


الياءات في {الداع} و{دعان} و{التلاق} و{التناد}

قال الشاطبي في {الداع} و{دعان}:
وَمَعْ دَعْوَةَ الدَّاعِ دَعَانِي حَلاَ جَنا ** وَلَيْسَا لِقَالُونٍ عَنِ الْغُرِّ سُبَّلَا
قال أبو شامة: «...(وليسا) يعني الياءين في هاتين الكلمتين (لقالون) أي لم يشتهر إثباتهما له، وإن كان قد روي عنه إثباتهما وإثبات الأول دون الثاني وعكسه، و(الغر): المشهورون، جمع أغَرّ، أي عن النقلة الغر، و(سبلا) حال منهم، وهو جمع سابلة، وهم المختلفون في الطرق، يريد أنهم سلكوا طرق النقل، وقبلوها خبره بها» اهـ.
وقال ابن القاصح: «(وليسا لقالون عن الغرّ سبلا) يعني أن الياء في هاتين الكلمتين ليست لقالون عن الغر، أي عن الأئمة الغرّ المشهورين، و(سبلا) أي طرقا. وفي هذا الكلام إشارة إلى أن إثباتهما ورد عن قالون ولم يأخذ بذلك الأئمة الغر؛ لأنه لم يصح عندهم عنه سوى حذفهما والاعتماد عليه. 
وقد تلخص من ذلك أن... قالون يحذفهما في الوقف، وله فيهما في الوصل وجهان: الحذف، والإثبات. فإن قلت ما الذي دل على هذا التقدير؟ قلت: تقييد النفي بالمشهورين، إذ لو أراد مطلق النفي لقال: (وليسا منقولين عنه) وأمسَكَ، بل الإثبات منقول عن رواة دونهم في الشهرة» اهـ باختصار وتصرف.
وقال ابن الجزري في «النشر»: «واختُلف فيهما عن قالون؛ فقطع له جمهور المغاربة وبعض العراقيين بالحذف فيهما، وهو الَّذِي فِي «التَّيْسِيرِ»...، وَ«الشَّاطِبِيَّةِ»، وَقَطَعَ بِالْإِثْبَاتِ فِيهِمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَشِيطٍ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ فِي غَايَتِهِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُبْهِجِهِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْعُثْمَانِيِّ عَنْ قَالُونَ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ لَهُ بِالْإِثْبَاتِ فِي {الدَّاعِ} وَالْحَذْفِ فِي {دَعَانِ}، وَهُوَ الَّذِي فِي «الْكِفَايَةِ» فِي السِّتِّ و«َالْجَامِعِ» لِابْنِ فَارِسٍ وَ«الْمُسْتَنِيرِ» وَ«التَّجْرِيدِ» مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَشِيطٍ، وَفِي «الْمُبْهِجِ» مِنْ طَرِيقِ ابْنِ بُويَانَ عَنْ أَبِي نَشِيطٍ، وَعَكَسَ آخَرُونَ فَقَطَعُوا لَهُ بِالْحَذْفِ فِي {الدَّاعِ} وَالْإِثْبَاتِ فِي {دَعَانِ}، وَهُوَ الَّذِي فِي «التَّجْرِيدِ» مِنْ طَرِيقِ الْحُلْوَانِيِّ، وَهِيَ طَرِيقُ أَبِي عَوْنٍ، وَبِهِ قَطَعَ أَيْضًا صَاحِبُ «الْعُنْوَانِ».
قُلْتُ: وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ عَنْ قَالُونَ، إِلَّا أَنَّ الْحَذْفَ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ» اهـ.
وقال الضباع في «الإضاءة»: «وقرأ [قالون] بالحذف والإثبات في...{الداع} و{دعان} في البقرة» اهـ مختصرا.
وقال إيهاب فكري في «إنصاف الإمام الشاطبي»: «لقالون في {الداع} و{دعان} الحذف، وزاد الشاطبيُّ الإثباتَ في الحالين» اهـ بتصرف.

وقال الشاطبي في {التلاق} و{التناد}:
وَفِي المُتَعَالِي دُرُّهُ وَالتَّلاًقِ وَالتْـ ** تَنَادِ دَرَا بَاغِيهِ بِالْخُلْفِ جُهِّلَا
قال السخاوي: «والخلف الذي أشار إليه عن قالون أراد به قول أبي عمرو: وقرأتُ على فارس بن أحمد عن قراءته على عبد الباقي بن الحسن بالإثبات والحذف -يعني في الوصل-.
وروى أحمد بن صالح العثماني عن قالون الإثبات في الوصل أيضا.
و(درا باغيه) لهذا الخلف (جهلا)، أي دفعهم، وأصله (درأ) فخفف الهمز، يعني أنه درأهم عن التعصب على مذهب الإثبات أو لمذهب الحذف بالجمع بينهما» اهـ.
وقال أبو شامة: «وأثبت... قالون بخلافٍ عنه ياءَ {التلاق} و{التناد} في الوصل. و(درا) بمعنى دفع، فأبدل من الهمزة ألفا، و(باغيه) بمعنى طالبه، و(جهلا) جمع جاهل، وهو مفعول درا، أي دفع قارئه الجهال عن تضعيفه بكونه رأس آية، فلا ينبغي أن يثبت الياء؛ لئلا يخرج عن مؤاخاة رءوس الآي، فأتى بالخلف ليرضى به كل فريق؛ لأن كلا الأمرين لغة فصيحة» اهـ.
وقال ابن الجزري في «النشر»: «...وانْفَرَدَ أَبُو الْفَتْحِ فَارِسٌ ابْنُ أَحْمَدَ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَصْحَابِهِ عَنْ قَالُونَ بِالْوَجْهَيْنِ -الْحَذْفِ وَالْإِثْبَاتِ- فِي الْوَقْفِ، وَتَبِعَهُ فِي ذَلِكَ الدَّانِيُّ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَيْهِ، وَأَثْبَتَهُ فِي «التَّيْسِيرِ» كَذَلِكَ، فَذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا عَنْهُ، وَتَبِعَهُ الشَّاطِبِيُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ خَالَفَ عَبْدُ الْبَاقِي فِي هَذَيْنِ سَائِرَ النَّاسِ، وَلَا أَعْلَمُهُ وَرَدَ مِنْ طَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ عَنْ أَبِي نَشِيطٍ وَلَا الْحُلْوَانِيِّ بَلْ وَلَا عَنْ قَالُونَ أَيْضًا فِي طَرِيقٍ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَرْوَانَ عَنْهُ، وَذَكَرَهُ الدَّانِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنِ الْعُثْمَانِيِّ أَيْضًا، وَسَائِرُ الرُّوَاةِ عَنْ قَالُونَ عَلَى خِلَافِهِ» اهـ بتصرف.
 وقال إيهاب فكري في «الإنصاف»: «لقالون في {التلاق} و{التناد} الحذف، وزاد الشاطبي الإثبات» اهـ بتصرف.

تحريرات الشاطبية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فهذا مقال حول تحريرات الشاطبية، استفدتُه من كتابات المقرئ إيهاب فكري، وزدتُ عليها بعض الزيادات، وهاأنا أضعها بين أيديكم:


تحريرات الشاطبية 

للقراء عدة تعريفات لمصطلح: (التحرير)([1])، 
منها: أنه العناية بتنقيح القراءة من أي خطإ أو خلل -كالتلفيق([2])، والوهم، ونحو ذلك-.
ومنها: أنه الاجتهاد بالبحث والتحري لوضع تقييدات لما أطلقه صاحبُ كتابٍ ما مِن أوجُهٍ للقراء، وذلك وَفْقًا للطرق التي أَسْنَدَ منها القراءات. وبعضُ أصحاب هذا التعريف يختصرونه في كلمتين؛ فيقولون: هو التقييد بالتدقيق.

ومن فوائد علم التحريرات: 
1- الاستعانة بها في معرفة وضبط العزو إلى الطرق والكتب، والاستفادة منها في معرفة الأحكام الواردة في الكتب.
2- الوقايةُ من الوقوع في التركيب والتلفيق في القراءة. 
3- ومن فوائده بالنسبة للمتون: تفصيلُ أُجمِلَ، وتقييدُ ما أُطلِق، وتوضيحُ ما أَشْكَلَ. 
وقد أَدْخَلَ بعضُ المتأخرين في تعريفِ التحريراتِ - الاستدراكَ على صاحب الكتاب، أي: إلزامه بأوجُه موجودة في أصولِ كتابِه ولكنه تركها ولم يضمنها كتابَه([3]). ولكن هذا يخالف ما هو متقرر عند القراء من جواز اقتصار القارئ على بعضِ ما رواه اختيارا منه. ولذا لا تعتبر هذه تحريرات، بل إضافات عليها لا تلزمه إلا اختيارا منه([4]). 
فينبغي أن نمييز بين ما هو من باب التوضيح وبين ما هو من باب الاستدراك، وأن يتم التعامل مع كل منهما بما يليق، فالتوضيح ينسب إلى مؤلف الكتاب([5])، والاستدراك ينسب إلى مَن استدركه لا إلى مؤلف الكتاب([6]). 
والواقع أنه حصل عند كثير من المتأخرين خلط وعدم تفريق بين ما هو من الاستدراك وبين ما هو من التوضيح، فحصل بسبب ذلك أخطاء علمية كثيرة وكبيرة.

تحريرات «الشاطبية» عبر القرون:
لو نظرنا إلى شروح «الشاطبية» التي كتبها تلاميذُ الشاطبي أو تلاميذُهم أو مَن بعدَهم إلى وقت ابن الجزري؛ لوجدنا أن مؤلفيها كانوا يتعاملون مع «الشاطبية» على ما هي عليه، ويكتفون بشرح وتوضيح القراءات الواردة فيها، ولا نجد في هذه الشروح من الاستدراكات في الغالب إلا استدراكات لغوية من بعض القراء والمفسرين، وكذلك لا نجد فيها في الغالب تعرُّضا لمسألة الطرق والخروج عليها؛ مراعاة لصحة الاختيار في القراءات، ولا نجد في هذه الشروح ردا للقراءات الواردة في «الشاطبية» بمثل هذا المنهج الموجود الآن، وكذلك لا نجد فيها العبارةَ التي يرددها المتأخرون كثيرا؛ والتي تقول: (هذا الوجه خروج عن طريقه؛ فلا يقرأ به)، وأيضا لا نجد من يلزم الشاطبي بأوجُهٍ من «التيسير» تَرَكَها اختيارا منه. مع أن أولئك الشراح كانوا علماء بارعين، ويعرفون ما يَقْرَءُون به.
ثم عندما جاء ابنُ الجزري مضى على منهجِ مَنْ قَبْلَه، لكنه زاد عليهم بأنه وَضَّحَ مسألةَ الطُّرُق([7])، فمثلا يقول: الحرف الفلاني من طريق «الشاطبية»، والحرف الفلاني من طريق «العنوان»، والحرف الفلاني من طريق «الغاية»، وهكذا، وكثيرا ما كان ينبه على طرق «التيسير» و«الشاطبية» والخروج عنها، والظاهر من مذهبه أن هذا إنما كان للعلم بما في طرقهم وللتنبيه على أن هذه اختيارات خرجوا بها عن طرقهم، فلا نجده يقول في موضعٍ ما في «النشر»: (هذا خروج من فلان عن طريقه فلا يقرأ به)، أقصى ما هنالك أن يقول: نبهت على هذا حتى يُعلم أنه خروج عن الطريق. 
والدليل على ذلك: أنه راعى الاختيار في القراءات([8])، بل كان يقدم الاختيار على مراعاة الطريق([9])، بل كان هو نفسه يختار([10])، ولم يمنع ابنُ الجزري الخروجَ عن طرق المصنفين التي ذكروها في مقدمات كتبهم إلا في أسباب أٌخَر، كما لو كان يرى أن الحرف الفلاني لا يثبتُ عن القارئ أصلا([11]).
وفي القرنين الأوَّلَيْن بعد ابن الجزري كانت التحريرات توضيحات، فيقيدون مِن «النشر» ما في «الطيبة»، ولم يكن هناك حكمٌ بأن هذا خروج عن الطريق فيُمْنَع. 
وهذا المنهج هو الذي سار عليه المنصوريُّ ومَن حذا حذوه([12])، كان هدفهم تقييد ما في «الطيبة» من «النشر»؛ حتى لا يُنسب لابن الجزري قولٌ يُفهَمُ من ظاهِرِ «الطيبة».
ثم بعد ذلك ظَهَرَ عند بعض القراء مفهومٌ جديد لم يكن معروفا عند مَن تَقَدَّمَهم، وهو أنهم فهموا أن الخروج عن الطريق يعني أن الوجه الفلاني لا يُقرأ به، وحصل بسبب هذا الفهم اضطراب كثير في الأخذ والمنع من الأوجه الواردة في «الشاطبية» بدعوى الخروج عن الطريق، مع عدم مراعاة اختيار الشاطبي. في البداية كانوا يمنعون أحرفا قليلة، ثم تطور الأمر إلى أن مُنِعَت مئاتُ الأوجه التي كانت مقبولةً ومأخوذًا بها عند المتقدمين([13]). ومع ذلك لم يلتزم أولئك القراء بهذا المنهج، ولم يسيروا على قاعدة واحدة، بل حصل عندهم تناقض واضطراب في مناهجهم ومذاهبهم، فمثلا: في تحريراتهم على «الشاطبية» تارة يمنعون أوجُهًا بحجة أنها خروج من الشاطبي عن طريقه([14])، وتارة يقبلون أوجهًا خرج فيها الشاطبي عن طريقه ويقولون: (هذا من زيادات القصيد، ويُقرأ به)([15])، بل إنهم أحيانا يلزمونه بأحرف ليست من طريقه أصلا، وبعضُها قد نبَّه على أنه تَرَكَها([16])، وهذا تناقض واضح!
وإن من أسباب وقوعهم فيما سبق: عدم التأمل في مسـألة الاختيار عند القراء([17])، وعدم مراعاتها. فالقارئ قد يقرأ على عدة مشايخ، ثم يؤلف مؤلفًا ويسنده من طريق معينة، فيدع أشياء من طريقِ كتابِه اختيارا فلا يضمنها إياه، ويضيف إلى الكتاب أشياء من مروياته الأخرى التي يرويها من غير الطريق الذي أَسْنَدَه منها. وهذا الأمر كان مقررا عند السلف بشروطه المعروفة([18])، وإليك بعض الأمثلة التي تدل على ذلك:
1- خلفٌ البزار مع أنه يسند اختيارَه من طريق حمزة إلا أنه خالفه في أشياء اختارها من مروياته الأخرى، وترك أكثرَ الأحرف التي انتُقدت على حمزة([19])، ولم يخرج عن قراءة أهل الكوفة فيما عدا السكت بين السورتين من رواية إسحاق الوراق عنه. 
2- أبو عمرو قرأ على ابن كثير، وهو يخالفه في أكثر من ثلاثة آلاف حرف أخذها من قراءته على غير ابن كثير.
3- الكسائي اعتماده في الأصل على قراءة حمزة، وخالف حمزةَ في نحو ثلاث مئة حرف اختارها من قراءته على شيوخه الآخرين. 
4- نافع قال: قرأتُ على سبعين من التابعين، فما اجتمع عليه اثنان أخذتُه، وما شذ فيه واحدٌ تركتُه، حتى ألّفتُ هذه القراءة. اهـ. فهذا نص صريح منه على أنه اختار. 
5- ورش روايته عن نافع بإسكان الياء في {محياي}، واختار لنفسه فتحَ الياء.
6- حفص بن سليمان روايته عن عاصم بفتح الضاد في {ضعف} و{ضعفا} بسورة الروم، واختار لنفسه وجه الضم من قراءته على غير عاصم.
7- ابن مجاهد اختار وجه الفتح في {الناس} لِدُوريِّ أبي عمرو، مع أنه لم يقرأ من طريق اليزيدي إلا بالإمالة.
إلى غير ذلك من الأمثلة.
وكل هذه الاختيارات قَبِلَهَا المسلمون، ولم يطعن أحد فيما اختاروه بحجة أنها خروج عن الطرق، ولم يلزمهم أحد بالأخذ بما تركوه، وهذا من أوضح الأدلة، فمن رد هذا يلزمه رد عمل المسلمين طيلة هذه القرون.
إذا تقرر ذلك؛ فلماذا نقبل اختيارات هؤلاء ونرفض اختيار الشاطبي أو الداني أو ابن الجزري أو غيرهما من أئمة القراءة؟
وإنّ ما وصل إليه حالُ كثير من المحررين المتأخرين من الاضطراب والتوسع والخطإ - جعل كثيرا من القراء يسلكون عدة مسالك حيال ذلك، ويقترحون عدة حلول، فمن ذلك:
1- التغافل، وذلك بترك كل واحد يقرأ بما يريد من التحريرات، المهم ألا يقرأ إلا يتحريرات.
وهذا المسلك هو ما يطبَّق عمليا في أكثر الأحيان، حيث لا يَعترض أحدٌ على من يقرأُ بتحريراتٍ لم يقرأ هو بها.
ولكن هذا الحل إنما يصلح مع المقلدين الذين يلتزمون بما قرءوا به ولا يطلبون دليلا عليه، ولا يرجحون بين تحريراتهم وتحريرات غيرهم. ولا يصلح للقراء المجتهدين الذين يبحثون عن الدليل، وكذلك الذين قرءوا بتحريرات مختلفة ويحتاجون أن يرجحوا بينها، فهم لا يرضون إلا بالبحث عن حل لهذا الخلاف. أيضا هذا الحل لا تقبله المعاهد والكليات العلمية، فإن البحث العلمي هو مرتكزها، ولا ينبغي أن يقبلوا أقوالًا لا دليل عليها، لأن المفترض في هذه المراكز أن تكون مراكز اجتهاد لا تقليد. 
2- الاطِّراح، أي اطراح كل التحريرات رأسًا، وإلغاؤها، والاقتصار على القراءة بظواهر «الشاطبية» و«الدرة» و«الطيبة» المعتمدة.
وهذا الحل خرج به عبد الفتاح القاضي ونادى به هو وبعض علماء القراءات بالأزهر؛ بسبب ما رأوا من كثرة التحريرات، وتعددها، واختلافها، والاضطراب الواقع في كثير منها. وقد تغلَّب هذا الرأي على غيره فاعتُمَد في معاهد القراءات بالأزهر، وعليه أغلب معاهد وكليات تعليم القراءات في العالم الإسلامي. 
ولكن هذا الحل يؤخذ عليه أنه لا يناسب أهل العلم والاجتهاد والتحقيق الذين لا يقبلون أن يأخذوا بما منعه الشاطبي والداني وابن الجزري ثم ينسبوا ذلك إليهم. فهذا الحل فيه خطأ علمي؛ لأنه يترتب عليه القراءة بأوجه ثبت عنهم منعُها بيقين، فكيف يُقرأ من طرقهم بغير اختياراتهم؟!
وهذا الحل لم يلق قبولا عند الأكثر، فما زالوا يقرئون بالتحريرات، وبعضهم يُلزم بها طلابه، وأيضا بدأت بعض الكليات القرآنية بالعودة إلى الأخذ بالتحريرات وفق منهج واضح.
3- الترجيح بين التحريرات المختلفة. وهذا الحل يقرره أتباع مدرسة الأزميري، ويرون أنها أدق وأفضل التحريرات. هكذا يقولون.
ولكن هذا المسلك لم يكن حلا صوابا أيضا؛ لأنه يؤدي في النهاية إلى منع أوجه كثيرة جدا سيتضح في زماننا وبعد زماننا أن الصواب الإتيان بها.
4- ضبط الرواية ونسبة كل رواية وكل تحرير وكل اختيار لصاحبه، وأن تراعى الأصول التي درج عليها القراء.
فما في «الشاطبية» -مثلا- هو الذي يلزم الشاطبي، فإذا استدرك عليها عالم فإننا نبين أن ذلك استدراك له، ولا نعزوه للشاطبي أو نقول أن هذه تحريرات «الشاطبية».
فالحل هو القراءة بظاهر الكتب حتى يحصل اليقين بترك هذا الظاهر. ولا نقيد ما في ظاهر الكتب إلا باليقين، كنص المؤلف على ذلك صراحةً في موطن آخر([20])، أو حكاية طلابه ذلك عنه([21])، أو أن يمنع عالم وجها معينا وأسناده يمر به([22])، ونحو ذلك. وأما الظنون فلا تقدح في الأخذ بظاهر كلام المؤلف. 

هذا ما يسر الله كتابته في هذا الموضوع المهم. وأسأل الله أن أكون قد وفقتُ فيما كتبت.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



كتبه
علي المالكي




_________________________________

([1]) جمعها خالد أبو الجود في مقدمة رسالته للماجستير والتي حقق فيها كتاب: «الروض النضير» للمتولي، فمن أراد الوقوف عليها فليرجع إليها هناك. 

([2]) ذكر إيهاب فكري أن مصطلح: (التلفيق) يشمل أن تنسب إلى القارئ ما ليس من طريقه، ويشمل كذلك القراءةَ بحرف لم تقرأ به. 

([3]) مثلما فعل كثير من المتأخرين مِن إلزام الشاطبي بالأخذ بأوجهٍ من «التيسير» كان قد تَرَكَ الأخذَ بها اختيارًا وقصدًا، فألزموه هم بها بحجة أنها موجودة في «التيسير» الذي هو أصل «الشاطبية»!

([4]) فإن سئل: ما حكم القراءة بهذه التحريرات التي يزيدها هؤلاء المحررون من باب الاختيار والظن؟

فالجواب: أنها إذا كانت تحريرات معتبرة فيمكن القراءة بها على أنها اختيار من أصحابها، فيُقرأ بها مع نسبتها إلى أصحابها لا إلى صاحب المتن.

[5]) مثال ذلك: أن نجد في «طيبة النشر» عبارةً ظاهرُها جوازُ وجهٍ ما، ثم عندما نبحث في «النشر» نجد أن ابن الجزري يمنع هذا الوجه؛ فنقيُّدُ ظاهرَ كلامِه في «الطيبة» بكلامه الذي في «النشر»؛ فنمنع ذلك الوجه من طريقه، وننسب هذا المنعَ إليه.

([6]) وبناء على هذا قال بعض العلماء: إنَّ تحريرات الأزميري والمتولي ومن سار على نهجهما إنما هي في الحقيقة مستدركات واختيارات لهم. 

([7]) وهذه المسألة مهمة لطالب القراءات، فلا بد أن يدرس مسألة الطرق ويدرس مسألة الاختيار؛ لأنهما بالنسبة إليه كالجناحين بالنسبة للطائر؛ لأنه إن لم يضبطهما حصل عنده خلل.

([8]) وإليك بعض الأمثلة على ذلك فيما يتعلق بالشاطبي:
1- لم يَرُدَّ اختيارَ الشاطبيِّ عدمَ النقل وقفًا في نحو: {من أجر} لحمزة، مع أن هذا الوقف لم يجوزه الداني ولا أبو الفتح.
2- قال في حرف {يعذب من} بسورة البقرة: «وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْإِدْغَامُ لِابْنِ كَثِيرٍ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي «التَّيْسِيرِ» لَهُ؛ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، وَهُوَ مِمَّا خَرَجَ فِيهِ عَنْ طُرُقِهِ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّاطِبِيُّ، وَالْوَجْهَانِ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ صَحِيحَانِ» اهـ. فأنت ترى أنه مشّى الإدغام من طريقيهما ولم يقل: إنه خروج عن الطريق فلا يُقرأ به.
3-في{محياي} بسورة الأنعام قال: «والوجهان صحيحان عن وَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ، إِلَّا أَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ نَافِعٍ بِالْإِسْكَانِ، وَاخْتِيَارَهُ لِنَفْسِهِ الْفَتْحُ -كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ-». فأثبتَ الخلاف عن ورش وهو يجزم في الموضع نفسه أن الفتح اختيار له خرج به عن طريقه.
بل إنه في {هئت لك} ذكر قال: «...وَلِذَلِكَ جَمَعَ الشَّاطِبِيُّ بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ [أي فتح وضم التاء مع الهمز] عَنْ هِشَامٍ فِي قَصِيدَتِهِ فَخَرَجَ بِذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ كِتَابِهِ [وهو الفتح] لِتَحَرِّي الصَّوَابِ». فأنت ترى أن ابن الجزري لم يمنع هنا أيضا الخروج عن الطريق اختيارا. 

([9]) مثال ذلك: أن التحقيق أن يُقرأ للسوسي من «التيسير» بالسكت بين السورتين، مع أن طريقه الوصل. فقدم الاختيار على مراعاة الطريق. وكذلك فعل في رواية ابن ذكوان؛ فأخبر أن التحقيق أن يُقرأ له من «التيسير» بالسكت بين السورتين، مع أن طريقه البسملة؛ تقديما للاختيار على مراعاة الطريق. 

([10]) مثال ذلك: أنه في إسكان {يرضه} لهشام بعدما ذكر الخلاف فيه: «وَقَدْ تَتَبَّعْتُ رِوَايَةَ الْإِسْكَانِ عَنْ هِشَامٍ فَلَمْ أَجِدْهَا فِي غَيْرِ مَا ذَكَرْتُ سِوَى...» فذكر عدة طرق ثم قال: «وَلَيْسَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ طُرُقِنَا، وَفِي ثُبُوتِهِ عَنِ الدَّاجُونِيِّ عِنْدِي نَظَرٌ، وَلَوْلَا شُهْرَتُهُ عَنْ هِشَامٍ وَصِحَّتُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَمْ نَذْكُرْهُ». فأنت ترى أنه مع أن هذا الحرف ليس من طرقه اختاره؛ فقال في الطيبة: «...والخلفُ لا»، يعني أن السكت عن هشامٍ بخلاف. وأقرأَ بهذا الحرف، وقرئ به من وقته إلى وقتنا هذا. 

([11]) كما منع إدغام {وجبت جنوبها} لابن ذكوان من طريق «الشاطبية» لأنه يرى أن هذا الحرف لا يثبت عن ابن ذكوان أصلا. 

([12]) ولا يزال أتباع المدرسة موجودين إلى الآن، وإن كان أتباع مدرسة الأزميري والمتولي هم الأكثر، ولا سيما في مصر والشام.

([13]) حتى وصل الحالُ ببعضهم إلى أن شذَّ عن الجميع وقال بإلغاء كل ما زاده الشاطبي على ما في «التيسير»، والاقتصارِ على ما جاء في «التيسير» فقط! وقد سمعتُ قريبًا مِن هذا الكلام بأذُني مِن أحد مشايخ القراءة المصريين المشهورين في مكالمة هاتفية بيني وبينه؛ حيث قال لي: خذ من الشاطبية ما وافق فيه التيسير، وأما مازاده الشاطبي على ما في التيسير فلا علاقة لنا به. اهـ.
يالله العجب! أفهؤلاء أعلمُ مِن كُلِّ العلماء الذين تَلَقَّوْا هذه القصيدة بالقبول وقرءوا بها وأقرءوا طيلة هذه القرون المتعددة؟! 

([14]) وأمثلة هذا كثيرة جدا، منها: منع وجه الإسكان في ميم الجمع لقالون، ومنع وجه الإدغام لابن كثير في {ويعذب من يشاء} بسورة البقرة، ومنع قراءة {يبصط} و{بصطة} بالسين لخلاد.

([15]) من ذلك: فتح ذوات الياء لورش، وقصر البدل له أيضا، والتوسط لقالون، والقصر للدروي.

والأكثر من ذلك أنهم لم يمنعوا اختيارَ الشاطبي وجهَ النقلِ وقفًا لحمزة في نحو: {مِن أجر} مع أن الداني وشيخه أبا الفتح يمنعانه! وكذلك لم يمنعوا مد البدل لورش مع أن الداني له مؤلفات في منع مد البدل! فأنت ترى أنهم يختارون هذا بينما لم يمنعوا أشياء أخرى دون ذلك!

([16]) كما فعلوا في كلمة: {أئمة}؛ حيث زادوا وجه الإبدال على طريق «الشاطبية» بحجة أنه صح من طريق «الطيبة» فيُقرأُ به! مع أن الشاطبي نبه على أنه تركه. 

([17]) للتوسع في هذا الموضوع يُرجع إلى كتاب: «الاختيار عند القراء .. مفهومُه، مراحلُه، وأثرُه في القراءات»، وهو رسالة علمية تقدم بها أمين بن إدريس بن عبد الرحمن فلاته لنيل درجة الماجستير من كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.


([18]) ومنها: 
– أن يكون المختار ممن توفرت فيه أهلية الاختيار.
– أن يكون الوجه المختار مما اجتمعت فيه شروط القبول.
– أن يكون القارئ قد قرأ به أو سمعه في الجملة.
– أن لا يؤدي إلى الوقوعِ في محذور نحوي أو لغوي.
– أن ينسبه المختارُ لنفسه، لا إلى شيوخه، ولا إلى صاحب الكتاب الذي يقرأ من طريقه، وإلا عُد ذلك تلفيقا.

([19]) ومن باب المناسبة والفائدة أورد هذه النقول ردا على من يطعن في قراءة حمزة:

قال الإمام الذهبي في «ميزان الاعتدال»: «قد انعقد الإجماع بأخرة على تلقِّي قراءةِ حمزةَ بالقبول،, والإنكارِ على من تكلم فيها، ...[و] يكفى حمزةَ شهادةُ مِثْلِ الإمام سفيان الثوري له؛ فإنه قال: ما قرأ حمزةُ حرفًا إلا بأثرٍ» اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى»: «وَالْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ عَنْ السَّلَفِ الْمُوَافِقَةُ لِلْمُصْحَفِ تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهَا بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ بَيْنَ قِرَاءَةِ أَبِي جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبَ وَخَلْفٍ، وَبَيْنَ قِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ وَأَبِي عَمْرٍو وَنُعَيْم. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا: إنَّ الْقِرَاءَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ [وأن] مَا خَرَجَ عَنْ هَذِهِ السَّبْعَةِ فَهُوَ بَاطِلٌ...» اهـ.

وقد كتب العلماء في هذه المسألة عدة كتابات، استقلالا وضمنا، فليُرجع إليها للوقوف على تفصيل الكلام.

([20]) مثلما منع ابن الجزري السكت لحفص على القصر.

([21]) مثلما حكى السخاوي عن الشاطبي أنه كان لا يختار في المد مرتَبَتَيْ فويق القصر وفويق التوسط. فلهذا لا يُقرأ بهما من طريقه؛ لأنه لم يخترهما، وهل يؤخذ من طريقه بغير اختياره؟! 

([22]) مثلا: بعض زيادات القصيد لم يصححها ابن الجزري، ولم يقرئ بها؛ فحيث إننا نقرأ بمضمن «الشاطبية» من طريق ابن الجزري فلا نقرأ بها؛ لعدم اتصال سندها حينئذ. وللوقوف على هذه الزيادات ارجع -على سبيل المثال- إلى «إنصاف الإمام الشاطبي»، فقد عقد لها فصلا خاصا.