الاثنين، 26 أكتوبر 2015

فوائد هامة وعزيزة تتعلق بأسانيد الشاطبية والتيسير

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذه فوائد هامة وعزيزة متعلقة بأسانيد «الشاطبية» و«التيسير»
وهذه الفوائد - على أهميتها - قَلَّ مَن يَتعرض لها
وقد كنتُ ضَمَّنتُها كتابي «قرة العيون»؛ وذلك لِأن حاجة القارئ إلى معرفتها ماسة جدًّا 
وقد رأيتُ أن أفردها ههنا في هذا الموضوع, سائلاً الله - تبارك وتعالى - أن ينفع بها.

فوائد تتعلق بأسانيد «الشاطبية» و«التيسير»([1]):
الفائدة الأولى: يذكُرُ البعضُ كلامًا مَفَادُه أنَّ أسانيدَ الإمام الشاطبي تنحصرُ في طرقٍ تؤدي إلى الإمام الداني فقط, وبناءً على هذا يُلْزِمُ الإمامَ الشاطبيَّ ألاّ يَخْرُجَ عمَّا في كتُب الإمام الداني! 
وهذا أمرٌ مخالفٌ للواقع, بل هو مخالفٌ لِما في «النشر» مِن الأسانيد([2]), فما بالك بأسانيد الإمام الشاطبي الأخرى التي لم تُذكَر في «النشر»؟!
فالإمام الشاطبي مروياتُه واسعة؛ مِنها ما يُسنِدُه مِن طريق الإمام الداني, ومِنها ما يُسنِدُه مِن طريقِ غيرِه.
وسأَسُوقُ ههنا ما جاء في «النشر» مِن أسانيد الشاطبي إلى قالون كمثالٍ على تَعَدُّدِ أسانيدِه وعدمِ انحصارِها في الداني:
قرأ الشاطبيُّ روايةَ قالون على أبي الحسن علي بن محمد بن هُذَيْل, وهو على أبي داود سليمان بن نَجَاح, وهو على الداني, وهو على أبي الفتح فارس بن أحمد, وهو على أبي الحسن عبد الباقي بن الحسن, وهو على إبراهيم بن عمر البغدادي, وهو على ابن بُويَان, وهو على أبي بكر أحمد بن محمد بن يزيد بن الأشعث (المعروف بـ: أبي حسان), وهو على أبي نَشِيط, وهو على قالون, (ح) وقرأ الشاطبي على أبي عبد الله محمد بن علي بن أبي العاص النفزي, وهو على أبي عبد الله محمد بن الحسن بن محمد بن غلامِ الفَرَس, وهو على سليمان بن نجاح وأبي الحسن علي بن عبد الرحمن بن الدّوش وأبي الحسين يحيى بن إبراهيم بن البيّاز, ثلاثتُهم على الداني, (ح) وقرأ محمد بنُ غلامِ الفَرَس على أبي الحسن عبد العزيز بن عبد الملك بن شفيع, وهو على عبد الله بن سهل, وهو على أبي سعيد خلف بن غصن الطائي, وهو على أبي الطيب عبد المنعم بن عبيد الله بن غَلْبون, وهو على صالح بن إدريس, وهو على القزَّاز, وهو على أبي حسان([3]).
فأنت ترى أن الطريقَ الأخيرَ لم يَمُرَّ بالداني.
إذا عَلِمتَ ما سبق فاعلم أن الإمام الشاطبي له الاختيار فيما يرويه مِن طُرُقِه - كما هو نهج السابقين من القرّاء -.
فإذا عَلِمتَ هذا فاعلم - أيضًا - أن «الشاطبية» ليست اختصارًا مَحْضًا لكتاب «التيسير», أي أن الشاطبيَّ لم يقتصِرْ فيها على ما جاء في «التيسير» دون زيادة أو نقصان؛ وإنما زاد فيها أشياء مِن اختياراته, وتَرَكَ أشياء مِما في «التيسير» لم يُضَمِّنْها إيَّاها.
والدليل على أنه زاد في «الشاطبية» أشياءَ مِن اختياراته - قوُله في خُطبتها([4]):
وأَلْفَـافُهــا زادت بِنَشْـرِ فـوائــدٍ فَـلَفَّتْ حيـاءً وَجْهَها أن تُفَضَّلا
قال أبو شامة: «...فتلك الألفافُ نَشَرَتْ فوائدَ زيادةً على ما في كتاب «التيسير»؛ مِن زيادة وجوهٍ أو إشارةٍ إلى تعليلٍ وزيادةِ أحكامٍ وغير ذلك مما يذكره في مواضعه...»([5]) اهـ.
والدليل على أنه ترك أشياء مِن «التيسير» لم يُضَمِّنْها «الشاطبيةَ» - التتبُّعُ والاستقراءُ؛ فإن مَن قارنَ بين «الشاطبية» و«التيسير» يَجِدُ أن الشاطبي يترك أحيانًا بعضَ الأشياء مِن «التيسير» فلا يُضَمِّنُها «الشاطبيةَ»[6]).
والأوجُهُ التي زادها الشاطبي على ما في «التيسير»([7]) يُطلَق عليها: «زيادات القصيد», وهي مما زاده الشاطبي مِن مرويَّاتِه الواسعة المسنَدة.

الفائدة الثانية: أسانيد الداني في كتابه: «التيسير» لا تنحصر فيما ذكره في أوَّلِه, وهذا قد نَصَّ عليه هو نفسُه؛ فقال - بعد أن ساق الأسانيد -: «فهذه بعض الأسانيد التي أدت إلينا الروايات روايةً وتلاوةً»([8]).
وهذا يفيد أنه لم يذكر إلا بعض أسانيده لِما أورده في «التيسير» لا كلَّها, فكان على مَن تعقَّبوه أن يقولوا لِما يَخرج فيه عن طرقه التي ذكرها: إنه خروج منه عن طريقه الذي ذَكر إسنادَه, لا على ما لم يَذكر إسنادَه؛ إذ كلامُه واضحٌ في أن له طرقًا أخرى لِما أورده في كتابه لَم يذكرها.

الفائدة الثالثة: طريق «الشاطبية» ليست هي طريق أبي نشيط رَأْسًا - كما يظن بعضُ الطلبة - ؛ وإنما هي إحدى الطرق التي تندرج تحت طريق أبي نشيط؛ إذْ إنَّ طريق أبي نشيط أوسع من طريق «الشاطبية»؛ فهي تضم الكثير من الطرق غير طريق «الشاطبية». وانظر في كتاب: «النشر»([9]) ستجد أن الإمامَ ابنَ الجزري أورَدَ من الطرق التي تندرجُ تحت طريق أبي نشيط أربعًا وثلاثين طريقًا؛ من بينها طريق «الشاطبية».
فإن سأل سائل: كم عدد طرق رواية قالون من طريق «طيبة النشر»؟
فالجواب أن عددها ثلاث وثمانون طريقًا. يجمع هذه الطرق طريقان رئيسيتان:
الأولى – طريق أبي نشيط (وهي تجمع أربعًا وثلاثين طريقًا - كما مَرّ - ).
الثانية – طريق أحمد بن يزيد الحُلْوَاني (وهي تجمع تسعًا وأربعين طريقًا)([10]).
تنبيه: شاع بين كثير من الطلبة المبتدئين أن لقالون من طريق «الشاطبية» سبعةَ - أو ثمانيةَ - أوجهٍ فقط, وهذا خطأ! فإن الأوجه التي تجوز لقالون من طريق «الشاطبية» أكثر من هذا بكثير.
وحسبنا ههنا مثالاً واحدًا يبين خطأ تلك المقالة:
قال تعالى: + أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنتُم بِهِۦۚ ءَآلَـٰنَ وَقَدۡ كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ _.
لو أردنا قراءة هذه الآية مقتصرين على جَمْعِ الأوجه الجائزة بين المدِّ المنفصل([11]) وميمِ الجمع([12]) و+ءَآلَـٰنَ_([13]) - لأمكَنَنَا أن نقرأها باثني عشر وجهًا!
وفي الجدول التالي بيانُ هذه الأوجه:

المد المنفصل ءَآلَـٰنَ ميم الجمع
قصر إبدال مع المد الطويل إسكان
قصر إبدال مع المد الطويل صلة
قصر إبدال مع القصر إسكان
قصر إبدال مع القصر صلة
قصر تسهيل إسكان
قصر تسهيل صلة
توسط إبدال مع المد الطويل إسكان
توسط إبدال مع المد الطويل صلة
توسط إبدال مع القصر إسكان
توسط إبدال مع القصر صلة
توسط تسهيل إسكان
توسط تسهيل صلة

فتأمّل.
________________________
([1]) انظر «تقريب الشاطبية" (ص552-565).
([2]) انظر «النشر» (1/99-192).
([3]) انظر «النشر» (1/99-102).
([4]) (ص6/ البيت 69).
([5]) انظر «إبراز المعاني» (ص51).
([6]) انظرها في «تقريب الشاطبية» (ص564-565).
([7]) انظرها في «تقريب الشاطبية» (ص554-564).
([8]) انظر «التيسير» (ص16).
([9]) (1/99) و(1/102).
([10]) انظر «النشر» (1/102) و(1/106).
([11]) وفيه وجهان.
([12]) وفيها وجهان.
([13]) وفيه ثلاثة أوجه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.