الثلاثاء، 27 أكتوبر 2015

كلمة من القلب

أريد أن أقول كلمة من القلب, وأرجو أن تُحمل مِن بعض الناس على المحمل الحسن, فإنني ما أردتُ بها إلا النصيحة والخير والإصلاح.
وإن نبينا الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- أمرنا بالنصيحة؛ فقال: "الدين النصيحة", قال أصحابه: "لمن؟"؛ فقال: "لله, ولكتابه, ولرسوله, ولأئمة المسلمين وعامتهم". رواه مسلم.
أقول:
روى الخرائطي في "المكارم" بسنده عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "مَن أوقع نفسَه في مواقع التُّهم؛ فلا يَلُومَنَّ مَن أساء الظنَّ به".
بعض الناس يضع نفسه في موضع الاتهام, ثم يأتي ويلوم مَن يتهمه!
إذا رآك الناس تدخل مكانًا لشرب الخمور؛ فماذا سيظنون بك؟ هل سيظنون بك أنك تدخله لكي تصلي فيه؟
فما بالك لو رآك الناس تخالط أهل البدع, وتصادقهم, وتذهب وتجيء معهم, وتشيد بذكرهم, وتثني عليهم, بل وتدافع عنهم, وتعادي من يعاديهم؛ ماذا تنتظر منهم أن يقولوا عنك؟
ثم بعد ذلك تأتي وتقول: كثُر كلام الناس فِيَّ !

قال الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن بطة العكبري – رحمه الله  -:
 " ونحن الآن ذاكرون شرحَ السنة، ووصْفَها، وما هي في نفسِها، وما الذي إذا تمسك به العبد ودانَ اللهَ به سُمِّيَ بها، واستحق الدخول في جملةِ أهلِها، وما إن خالفه أو شيئاً منه دخل في جملة مَنْ عِبْنَاه وذكرناه, وحُذّر منه، من أهل البدع والزيـغ، مما أجْمَعَ على شرحِنا له أهلُ الإسلام وسائرُ الأمة مذ بعث الله نبيه –صلى الله عليه وسلم- إلى وقتنا هذا … "
ومما ذكره في هذا الشرح:
"ولا تشاور أحداً من أهل البدع في دينك، ولا ترافقه في سفرك، وإن أمكنك أن لا تقربه في جوارك.
 ومن السنة مجانبة كل من اعتقد شيئاً مما ذكرناه ( أي: من البدع)، وهجرانه، والمقْتُ له، وهجران من والاه، ونَصَرَه، وذب عنه، وصاحَبَه، وإن كان الفاعلُ لذلك يُظهر السُّنّة ".
قال ابن مسعود –رضي الله عنه-:
" إنما يماشي الرجل، ويصاحب من يحبه ومن هو مثله ".
وعن معاذ بن معاذ قال: قلت ليحيى بن سعيد: "يا أبا سعيد, الرجل وإن كتم رأيه لم يَخْفَ ذاك في ابنه ولا صديقه ولا جليسه".
وعن عقبة بن علقمة قال: "كنت عند أرطاة بن المنذر, فقال بعض أهل المجلس: ما تقولون في الرجل يجالس أهل السنّة ويخالطهم، فإذا ذُكِرَ أهلُ البدع قال: دعونا مِن ذِكْرِهِم لا تذكروهم؟"
فقال أرطأة: "هو منهم, لا يلبّس عليكم أَمْرَه".
قال: "فأنكرتُ ذلك مِن قولِ أرطاة. فقدمت على الأوزاعي، وكان كشّافاً لهذه الأشياء إذا بلغتْه, فقال الأوزاعي: صدق أرطأة, والقول ما قال، هذا يَنهى عن ذكرهم! ومتى يُحْذَروا إذا لم يُشَدْ بذكرهم؟".
وقال الأوزاعي - رحمه الله -:
"من ستر علينا بدعته لم تَخْفَ علينا أُلفته".
وقال أبو داود السجستاني – رحمه الله -:
"قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجلاً من أهـل البيت مع رجل من أهل البدع، أترك كلامه؟ قال: "لا، أو تُعْلِمُه أن الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن ترك كلامه وإلا فألحقه به, قال ابن مسعود: المرء بخدنه". اهـ.
قال الشيخ حمود التويجري عن هذه الرواية وتطبيقها على أهل البدع كجماعة التبليغ:
"وهذه الرواية عن الإمام أحمد ينبغي تطبيقها على الذين يمدحون التبليغيين ويجادلون عنهم بالباطل، فمن كان منهم عالماً بأن التبليغيين من أهل البدع والضلالات والجهالات، وهو مع هذا يمدحهم ويجادل عنهم؛ فإنّه يلحق بهم، ويعامل بما يعاملون به من البغض والهجر والتجنُّب، ومن كان جاهلاً بهم فإنه ينبغي إعلامه بأنهم من أهل البدع والضلالات والجهالات، فإن لم يترك مدحهم والمجادلة عنهم بعد العلم بهم فإنه يُلحق بهم ويُعامل بما يُعاملون به."( )
   وقال الفضيل بن عياض – رحمه الله -:
" الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكـر منها اختلف، ولا يمكن أن يكون صاحب سنة يمالئ صاحب بدعة إلا من النفاق".
قال ابن بطة – معلقاً على قول الفضيل -:
" صدق الفضيل - رحمه الله – فإنا نرى ذلك عياناً ".
ولما قدم سفيان الثوري البصرةَ، جعل ينظر إلى أمر الربيع بن صَبيح وقدْرِه عند الناس، سأل: أي شيء مذهبه؟ قالوا: ما مذهبه إلا السنة. قال: من بطانته؟ قالوا: أهل القدر. قال: هو قدري. ".
وقال الإمام البربهاري – رحمه الله - في شرح السنة ( ):
"وإذا رأيت الرجل جالساً مع رجل من أهل الأهواء فحذّره وعرّفه، فإن جلس معه بعد ما علم فاتقه؛ فإنه صاحب هوى".
وقال العلامـة شيث بن إبراهيم القفطـي المعروف بابـن الحاج – رحمـه الله-:
"فبيّن سبحانه بقوله: { وقد نزل عليكم في الكتاب} ما كان أمَرَهم به من قوله في السورة المكيّة: {فلا تقعد بعد الذكرى مع القـوم الظالمين}, ثم بيّن في هذه السورة المدنيّة أن مجالسةَ مَن هذه صفتُه لحوقٌ به في اعتقاده، وقد ذهب قومٌ من أئمة هذه الأمة إلى هذا المذهب، وحَكَمَ بموجب هذه الآيات في مجالس أهل البدع على المعاشرة والمخالطة, منهم: أحمد بن حنبل, والأوزاعي, وابن المبارك, فإنهم قالوا في رجل شأنه مجالسة أهل البدع: "يُنهى عن مجالستهم، فإن انتهى وإلا ألحق بهم (أي: في الحكم).
قيل لهم: فإنه يقول: إني أجالسهم لأباينهم وأرد عليهم.
قالوا: يُنهى عن مجالستهم فإن لم ينته أُلحق بهم ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة – رحمه الله – فيمن يوالي الاتحادية (وهي قاعدة عامة في جميع أهل البدع):
"ويجب عقوبـة كل من انتسـب إليهم، أو ذب عنهم، أو أثنى عليهم, أو عظّم كتبهم، أو عُرِف بمساندتهم ومعاونتهـم، أو كَرِه الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يُدْرى ما هـو، أو مَن قال إنه صنف هذا الكتاب( )، وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق, بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات؛ لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشايخ والعلماء والملوك والأمراء، وهم يسعون في الأرض فساداً، ويصدون عن سبيل الله".
وقد سئـل سماحـة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله –: الذي يثني على أهل البدع ويمدحهم، هل يأخذ حكمهم؟
فأجاب: " نعم, بدون شك, من أثنى عليهم ومـدحهم هو داعٍ لهم، يدعو لهم، هذا من دعاتهم، نسأل الله العافيـة".
بل كان السلف الصالح -رضي الله عنهم ورحمهم- إذا رأوا الشاب في أول أمره مع أهل السنة رَجَوْه، وإن رأوه مع أهل البدع في ممشاه ومجلسه وصحبته أيِسُوا مِن خيرِه ولم يَرْجُوه.
قال أحمد بن حنبل: إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارْجُه، وإذا رأيته مع أصحاب البدع فايئس منه؛ فإن الشاب على أول نشوئه.
  وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشهير بابن أبي زمنين –رحمه الله-:
" ولم يـزل أهل السنة يعيبون أهل الأهواء المضلة، وينهون عـن مجالستهم، ويخوفون فتنتهم، ويخبرون بخلاقهم، ولا يرون ذلك غيبـة لـهم، ولا طعناً عليهم. " ( ).
وكانوا يرون أن ذكر عيوبهم ومساوئهم ليس من باب الغيبة المحرمة، وقد استثنى أهل العلم ستاً من الحالات التي تجوز فيها الغيبة كما قال الناظـم:
 القـدح ليس بغيبـة في ستــــة      متظلـم ومعـرف ومـحذّر
 ومجاهر فسقاً ومستفتٍ ومـن     طلب الإعانة في إزالة منكر
وقال الإمام أحمد -رحمه الله-:
(( لا غيبة لأصحاب البدع )) ( ).
بل قد نقل شيخ الإسلام ابن تيميـة - رحمه الله - الاتفـاق على وجوب التحذير من أهل البدع، وأن ذلك من الغيبة الجائزة، قال - رحمه الله -:
" وأما الشخص المعين فيذكر ما فيه من الشر في مواضع.
وذكر منها:
ومنها : أن يكون على وجه النصيحة للمسلمين في دينهـــم ودنيـاهم … وإذا كان النصح واجباً في المصالح الدينية الخاصة والعامة مثل نقلة الحديث الذين يخلطون أو يكذبون كما قال يحيى بن سعيد: سألت مالكاً والثوري والليث بن سعد أظنه والأوزاعي عن الرجل يُتهم في الحديث ولا يحفظ فقالوا بَيّن أمره، وقال بعضهم لأحمد بن حنبل: أنه يثقل علي أن أقول فلان كذا، وفلان كذا فقال إذا سكت أنت وسكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم.
ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنّة فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع، فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل.
 فبيّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين.
ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسـدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً".
وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في بيان أنواع الأقلام :
(( القلم الثاني عشر : القلم الجامع، وهو قلم الرد على المبطلين، ورفع سنّة المحقين، وكشف أباطيل المبطلين على اختلاف أنواعها وأجناسها، وبيان تناقضهم، وتهافتهم، وخروجهم عن الحق، ودخولهم في الباطل، وهذا القلم في الأقلام نظير الملوك في الأنام، وأصحابه أهل الحجة الناصرون لما جاءت به الرسل، المحاربون لأعدائهم.
وهم الداعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، المجادلون لمـن خرج عن سبيله بأنواع الجدال.
وأصحاب هذا القلم حرب لكل مبطل، وعدو لكل مخالف للرسل.
فهم في شأن وغيرهم من أصحاب الأقلام في شأن)).
وقال ابن القيم –رحمه الله-: ((فكل بدعة مضلّة في الدين أساسها القول على الله بلا علم.
ولهذا اشتدّ نكير السلف والأئمة لها، وصاجوا بأهلها من أقطار الأرض، وحذّروا فتنتهم أشدّ التحذير، وبالغوا في ذلك ما لم يبالغوا مثله في إنكار الفواحش والظلم والعدوان؛ إذ مضرّة البدع وهدمها للدين ومنافاتها له أشد)).
وانظر للتوسع في هذا الأمر الكتاب العظيم القيّم الماتع: "إجماع العلماء على الهجر والتحذير من أهل الأهواء" لفضيلة الشيخ خالد بن ضحوي الظفيري. ومِنه نقلتُ النقول السابقة.

وإليك بعض القواعد الهامة التي تفيدك في هذا الباب:
- المبتدع لا ينحصر في كونه إخوانيا أو صوفيا؛ وإنما هو كل من خالف نهج السلف؛ إخوانيا كان أو صوفيا أو خارجيا أو تبليغيا أو جهميا أو أشعريا أو ماتوريديا أو معتزليا... إلى غير ذلك.
- ليس كل من قال: "أنا لست إخوانيا" يكون كذلك؛ إذ إن الذي يوافق منهج الإخوان هو إخواني حتى وإن أنكر ذلك, وهذا نلاحظه في عمل أهل العلم؛ فإنهم ينسبون الشخص إلى الطائفة التي يوافقها حتى وإن أنكر هو انتماءه إليها.
- من علامات أهل البدع: الوقيعة في أهل الأثر. فمن يسب أهل السنة فهو يدلل على أنه من أهل البدع.
- مَن يزهّد الناس في علم الجرح والتعديل ويقول: "لا نتكلم في أحد" ونحو ذلك؛ فهو ضال؛ ولعل هذا ظهر لك من النقولات السابقة .
- كون المرء مِن حفاظ القرآن أو من الخطباء أو الوعّاظ أو نحو ذلك؛ وكان من أهل البدع؛ فإن هذا لا يشفع له؛ فإن الحارث المحاسبي كان من بحور العلم, ومع ذلك سقط عندما تكلم فيه أحمد بن حنبل بسبب أنه ابتدع.
فلا يأتينّ سفيه ويقول: لا تتكلموا في فلان فإنه شيخ أو من حفاظ القرآن أو نحو ذلك.




كتبه

علي المالكي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.