الخميس، 17 ديسمبر 2015

حول وقوف الهبطي

وقف الهَبْطي(1) لا أنصح أحداً بالالتزام به ولا الاعتماد عليه؛ لأنه:
أولاً: لا يقف على كثير من رؤوس الآي, ونحن نعلم أن الوقف على رؤوس الآي سنة مطلقاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولابن الجزري كلام حول موضوع الوقف على رؤوس الآي في كتابه "النشر", حيث قال:
...وإن كان التعلق من جهة اللفظ فهو الوقف المصطلح عليه بـ: (الحسن), لأنه في نفسه حسن مفيد يجوز الوقف عليه دون الابتداء بما بعده, للتعلق اللفظي, إلا أن يكون رأس آية فإنه يجوز في اختيار اكثر أهل الأداء؛ لمجيئه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية, يقول: "بسم الله الرحمن الرحيم", ثم يقف, ثم يقول: "الحمد لله رب العالمين", ثم يقف, ثم يقول: الرحمن الرحيم ...)) إلى آخر الحديث(2), وهو حديث حسن وسنده صحيح. .
وكذلك عد بعضهم الوقف على رؤوس الآي في ذلك سنة. وقال أبو عمرو: "وهو أحب إلي". وقال في موضع آخر: "وكان جماعة من الأئمة السالفين والقراء الماضين يستحبون القطع(3) على الآيات، وإن تعلق بعضهن ببعض". واختاره أيضاً البيهقي في شعب الإيمان، وغيره من العلماء, وقالوا: الأفضل الوقوف على رؤوس الآيات وإن تعلقت بما بعدها. قالوا: واتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته أولى. وقال الشيخ ملا علي القارئ: "أجمع القراء على أن الوقف على الفواصل وقف حسن؛ ولو تعلقت بما بعدها".اهـ بتصرف وزيادات.
ثانياً: أنه كثيراً ما يقف على مواضع ليست محل وقف, مثل:
- وقوفه في قوله تعالى: حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم..... الآية, بينما ليس في هذه الآية وقف صحيح من بدايتها إلا على "إلا ما قد سلف"
- مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله / ذهب الله بنورهم
- وإذ آتينا موسى الكتاب / والفرقان لعلكم تهتدون
وأيضاً يقف أحياناً وقوفاً غريبة يقطّع بها أوصال الآية تقطيعاً لا معنى له, مثل:
- كلا نمد / هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك.
- عم / يستاءلون
هذا ما يحضرني الآن من الأسباب والأمثلة
فأنا أنصحك أن تعتمد في معرفة الوقف والابتداء على مَرَاجِعِه المعتبرة والمعتمدة, ومن أهم الكتب المتخصصة في هذا الباب: كتاب "المكتفى في الوقف والابتدا" للإمام الداني, وكتاب "القطع والائتناف" للإمام أبي جعفر النحّاس.
ونحن في ليبيا - كما تعلم - كثير من الشيوخ - بسبب الجهل أو الهوى أو التعصُّب أو الأَنَفَة أو غير ذلك - يتعصبون لوقوف الهبطي تعصباً غريباً, ويشددون على من يخالفه - والله المستعان -.
هذا ما عندي بالنسبة للوقوف الهبطية.

________________________
(1) وهو نسبة إلى صاحبه محمد بن أبي جمعة الهَبْطي - بفتح الهاء وسكون الباء, نسبة إلى بلاد الهَبْط المعروفة بالمغرب -.
(2) رواه أبو داود وغيره, وقال الدارقطني: "إسناده صحيح، وكلهم ثقات", وصححه ابن خزيمة, قال الإمام أبو عمرو الداني: "ولهذا الحديث طرق كثيرة ، وهو أصل في هذا الباب", وصححه النووي في "المجموع".
(3) يريدُ الإمام الداني بقوله "القطع" هنا: الوقفَ, قال الإمام ابن الجزري في "النشر": هذه العبارات جرت عند كثير من المتقدمين مراداً بها الوقفُ - غالباً -, ولا يريدون بها غيرَ الوقف إلا مقيدة، وأما عند المتأخرين وغيرهم من المحققين فإن القطع عندهم عبارة عن قطع القراءة رأساً، فهو كالانتهاء, فالقارئ به كالمعرضِ عن القراءة والمنتقلِ منها إلى حالة أخرى سوى القراءة, كالذي يقطع على حزبٍ, أو وِردٍ, أو عُشرٍ, أو في ركعة ثم يركع, ونحو ذلك مما يؤذِن بانقضاء القراءة والانتقال منها إلى حالة أخرى، وهو الذي يُستعاذ بعده للقراءة المستأنفة, ولا يكون إلا على رأس آية؛ لأن رؤوس الآي في نفسها مقاطع. اهـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.