بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:فإننا إذا بَحَثْنا عن أحسن طبعاتِ كتابِ: "زاد المستقنع" وجدنا أن مِن ضمنِها طبعةَ دار ابن الجوزي بتحقيق الدكتور محمد الهبدان, وهي التي قدَّمَها لنيل درجة الدكتوراه, وقرَّظها الشيخُ عبدُ الله بن عقيل شيخُ الحنابلة -رحمه الله-.
وهذه الطبعة تمتازُ على منافستِها -طبعةِ مدار الوطن, بتحقيق عبد الرحمن العسكر, ط2- بأمور:
1- أنها حَوَتْ في بدايتِها مقدمةً مفيدةً حافلةً عن المذهب الحنبلي.
2- أنها ضَمَّت في حاشيتِها عددًا من الفوائد والاستدراكات المفيدة.
3- أنَّ المحقق اتَّبَعَ في عرضِه للمتن طريقةً عصريَّةً جميلةً ومفيدةً؛ وهي تجزئةُ المتنِ إلى فقراتٍ, ثم تجزئةُ الفقراتِ إلى أجزاء, مما يساعد الطالب على الفهم واستيعاب القيود والأنواع والأقسام, وأيضا يساعده على الحفظ. وهناك فائدةٌ أخرى تأتي مِن وراء استعمالِ هذا الأسلوب؛ وهي أن حواشي الكتاب تصبح كبيرةً, وهذا مَغْنَمٌ لأمثالي ممن يحبون أن يكتبوا في حواشي الكتُبِ الفوائدَ والزياداتِ والخلاصاتِ والقيودَ التي يحصلون عليها من الشروح أو غيرِها (ابتسامة).
إلا أني لاحظتُ على هذه الطبعة بعضَ الملاحظات التي أحببتُ التنبيهَ عليها, أذكر مِنها ما يلي:
1- أن تقسيماتِ المحقق في كثير من الأحيان لا تكونُ ناجحَةً؛ بل تكونُ أحيانًا مُوهِمَةً معنًى آخرَ غيرَ ما أراده المؤلف, وأحيانًا أخرى تكونُ مشوِّشَةً للطالب إما بسبب تباعُد الفقرات المرتبطة ببعضِها أو بسبب تجزئتها تجزئة ليست في محلها. وهذا مِن جرّاء مبالغَتِه في استعمال هذا الأسلوب وعدم استخدامِه الاستخدامَ الأمثَل.
وانظر -على سبيل المثال- الصفحة رقم 45؛ مِن قول العلامة الحجاوي: "طهور..." إلى قوله: "...أو سُخن بالشمس أو بطاهر؛ لم يُكره". وكذا ص77؛ من قول المؤلف: "ويحرم استعمال.." إلى قوله: "على الذكور". تأمَّل كيفية تقسيمِ المحقق للفقرات وتمييزِها, واحكم بنفسك. وأمثِلَةُ هذا كثيرة.
2- أنه يترُك الكثيرَ من الكلمات المشكِلَةِ التي تحتاجُ إلى ضبطٍ - بدون ضبط, بينما تجدُه في مواضع أُخَر يضبط كلماتٍ لا تحتاج إلى ضبط! وهذا خللٌ.
فمثلا: تراهُ لَم يضبِط مُشكِلَ الكلماتِ الآتية: النجس الطارئ, أو سخن بنجس, النيرين, منقيا... وغير هذا كثير.
بينما تراه يضبط: جُمُعة, استعمالهُمَا... وغير هذا كثير.
بل قد يقعُ منه الخطآن في كلمة واحدة! مثل: "كتجديدِ وضُوءٍ"؛ حيثُ تَرَكَ ضبط الواو التي تُشكِلُ على كثير من المبتدئين؛ وضَبَطَ الضاد التي لا يُشكل ضبطُها على أحد!, ومثل: "بنجسٍ"؛ حيث ترك ضبط الجيم التي تُشكِلُ على كثير من المبتدئين؛ وضَبَطَ السين التي لا يكادُ يُشكل ضبطُها!
3- أنه في عدد من المواضع يستعمل علاماتِ ترقيمٍ في غير محلِّها, وبالمقابل يترك أماكن أُخَرَ تحتاج إلى علامات ترقيمٍ فلا يضَعُها.
انظر -على سبيل المثال- ص55 في قول المؤلف: "ويقول ما ورد"؛ كتبَها المحقق هكذا: "ويقول: ما ورد"! وفي ص46 في قول المؤلف: "ولا يرفع حدث رجل ..."؛ كتبها المحقق هكذا: "ولا يرفع: حدثَ رجُلٍ, طهور يسير"!
بينما كَتَبَ ص47: "هذا مقيد بما إذا لم يمكن تطهير النجس بالطهور كما في المنتهى وغيره"؛ فترك وضْع جملة: "كما في المنتهى وغيره" بين شرطتين أو قوسين!
4- وجود بعض الأخطاء المطبعية -سواء ما يتعلق بالنَّقط أو ما يتعلق بالشَّكْلِ أو ما يتعلق بالإعراب-. وذلك مثل: "أن تكون الخمار على نساء", و"يُزيِـلُها", و"عاتِـقْـيه", و"لطهارة الحدث كلها", و"ولا تفتِـنَا"... وغير ذلك.
هذا ما تيسر لي كتابتُه في هذه العجالة.
ولعل هناك ملاحظاتٍ أخرى تتعلق بتحقيق النص أو غيرِ ذلك. أنا لَم أُقابل هذه الطبعةَ على النسخ المخطوطة أو على تحقيقات أخرى, ولذا لن أستطيع الحكم بشيء فيما يخص أمر التحقيق.
ولكن أنصحُ مَن أراد أن يعتمِد على هذه الطبعة في دراسته لـ"الزاد" أن يكونَ يَقِظًا لِمِثلِ هذه الأمور التي ذكرتُها, وأن يرجِع إلى الشروح ليفْهَمَ مرادَ المؤلف ويعرِفَ ضبْطَ المُشكِلِ ويتداركَ أخطاء الضبطِ وغير ذلك, وأن يستعين عليها بطبعةٍ أخرى -كطبعة العسكر التي ذكرتُها آنفا- لأجل أن يتأكد مِن صحةِ تحقيقِ النص.
أنا قد اقتنيتُ الطبعةَ الثانية مِن تحقيق الدكتور الهبدان مِن أجلِ المزايا التي ذكرتُها في الأعلى, وأدْرُسُ متنَ "الزاد" معتمِدًا عليها, وأسيرُ على هذا المنهجِ في دراستي, إلا أني لَم أُقابل الطبعة على طبعةٍ أخرى؛ لعدمِ حصولي على طبعةٍ أخرى محقَّقَةٍ. ولكنني مؤخَّرًا اقتنيتُ طبعة العسكر المذكورة -ولله الحمد-, وسأقوم بمقابلةِ المتن من البداية -إن شاء الله-.
وفَّقَ اللهُ الجميع لما يحب ويرضى.
كتبه
علي المالكي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.