الخميس، 17 ديسمبر 2015

مختارات من سيرة الإمام الحافظ أبي حاتم الرازي

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: 
سمعت أبي يقول: 
أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سبع سنين أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ (قال الذهبي: مسافة ذلك نحو أربعة أشهر, سيرَ الجادة) ثم تركت العدد بعد ذلك, وخرجت من البحرين إلى مصر ماشيا ثم إلى الرملة ماشيا ثم إلى دمشق ثم أنطاكية وطرسوس ثم رجعت إلى حمص ثم إلى الرقة ثم ركبت إلى العراق كل هذا في سفري الأول وأنا ابن عشرين سنة. خرجت من الري فدخلت الكوفة في رمضان سنة ثلاث عشرة وجاءنا نعي المقرئ وأنا بالكوفة ثم رحلت ثانيا سنة اثنتين وأربعين ثم رجعت إلى الري سنة خمس وأربعين وحججت رابع حجة في سنة خمس وخمسين.

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: 
سمعت أبي يقول: بقيت في سنة أربع عشرة ثمانية أشهر بالبصرة, وكان في نفسي أن أقيم سنة, فانقطعت نفقتي, فجعلت أبيع ثيابي حتى نفذت, وبقيت بلا نفقة, ومضيت أطوف مع صديق لي إلى المشيخة, وأسمع إلى المساء, فانصرف رفيقي, ورجعت إلى بيتي, فجعلت أشرب الماء من الجوع, ثم أصبحت, فغدا علي رفيقي, فجعلت أطوف معه في سماع الحديث على جوع شديد, وانصرفت جائعا, فلما كان من الغد, غدا علي, فقال: مُرَّ بنا إلى المشايخ. قلت: أنا ضعيف لا يمكنني. قال: ما ضعفك؟ قلت: لا أكتمك أمري, قد مضى يومان ما طعمت فيهما شيئا, فقال قد بقي معي دينار, فنصفه لك, ونجعل النصف الآخر في الكراء, فخرجنا من البصرة, وأخذت منه النصف دينار.

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: 
سمعت أبي يقول: خرجنا من المدينة, من عند داود الجعفري, وصرنا إلى الجار وركبنا البحر, فكانت الريح في وجوهنا, فبقينا في البحر ثلاثة أشهر, وضاقت صدورنا, وفني ما كان معنا, وخرجنا إلى البر نمشي أياما, حتى فني ما تبقى معنا من الزاد والماء, فمشينا يوما لم نأكل ولم نشرب, ويوم الثاني كمثل, ويوم الثالث, فلما كان يكون المساء صلينا, وكنا نلقي بأنفسنا حيث كنا, فلما أصبحنا في اليوم الثالث, جعلنا نمشي على قدر طاقتنا, وكنا ثلاثة أنفس: شيخ نيسابوري, وأبو زهير الْمَرْوَرُّوذِي, فسقط الشيخ مغشيا, عليه فجئنا نحركه وهو لا يعقل, فتركناه, ومشينا قدر فرسخ, فضعفت, وسقطت مغشيا علي, ومضى صاحبي يمشي, فبصر من بعد قوما قربوا سفينتهم من البر ونزلوا على بئر موسى, فلما عاينهم لوح بثوبه إليهم, فجاؤوه معهم ماء في إداوة, فسقوه, واخذوا بيده, فقال لهم: الحقوا رفيقين لي, فما شعرت إلا برجل يصب الماء على وجهي, ففتحت عيني, فقلت: اسقني. فصب من الماء في مَشربة قليلا, فشربت ورجعت إليّ نفسي, ثم سقاني قليلا, وأخذ بيدي, فقلت: ورائي شيخ ملقى. فذهب جماعة إليه, وأخذ بيدي, وأنا أمشي وأجُرُّ رجلي, حتى إذا بلغت إلى عند سفينتهم, وأتوا بالشيخ, وأحسنوا إلينا, فبقينا أياما حتى رجعت إلينا أنفسنا, ثم كتبوا لنا كتابا إلى مدينة يقال لها "راية", إلى واليهم, وزودونا من الكعك والسَّويق والماء, فلم نزل نمشي حتى نفد ما كان معنا من الماء والقوت, فجعلنا نمشي جياعا على شط البحر, حتى دفعنا إلى سلحفاة مثل الترس, فعمدنا إلى حجر كبير فضربنا على ظهرها, فانفلق, فإذا فيها مثل صفرة البيض, فتحسيناه حتى سكن عنا الجوع, ثم وصلنا إلى مدينة الراية, وأوصلْنا الكتاب إلى عاملها, فأنزلنا في داره, فكان يقدم لنا كل يوم القرع ويقول لخادمه: هاتي لهم اليقطين المبارك. فيقدمه مع الخبز أياما, فقال واحد منا ألا تدعو باللحم المشؤوم؟! فسمع صاحب الدار, فقال: أنا أُحسن بالفارسية, فان جدتي كانت هروية. وأتانا بعد ذلك باللحم, ثم زودنا إلى مصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.