بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد:
فإن كثيرًا مِن طلبةِ القرآنِ المبتدئين لا يعلمون شيئًا عن أسانيد القراءات, وبعضُهم سمِعَ بها عمومًا دون أن يقف على شيءٍ منها, فأحببتُ أن أخصص هذا الموضوع لذِكْرِ أشهر أسانيد القراءات في مصر والشام والهند(1)؛ ليكون الطالب على معرفةٍ بها, ولكي يعرِفَ طبقات الرواة, وعمّن أخذوا, ومَن أخذ عنهم, وضَبْطَ أسمائهم(2), ولكي يعرف الأسانيد العالية مِن الأسانيد النازلة, ولكي يعرف هل القارئ الفُلَانِيُّ ينحدر مِن مدرسة الشام أم من مدرسة مصر؟... إلى غير ذلك من الفوائد.
وقد اجتزأتُ في كلّ إسنادٍ بذِكْرِ أشهرِ رواتِه -وأصحاب الأسانيد العالية منهم- في كل طبقة مِن الطبقات -حسب عِلْمي وتقديري-, ولم أتوسع كثيرًا؛ لئلا أطيل وأشوّش القارئ, إلا في طبقة المعاصرين وشيوخهم؛ فقد توسعتُ فيها بعض الشيء؛ لوجود التشعُّب فيها أكثر مِن غيرِها.
أولًا- أسانيدُ قراءِ مِصر:
عندما تتبعتُ أسانيدَ قراءِ مصر وجدتُ أن أشهَرَها إسنادان: الإسناد الذي يَمُرّ بشيخ القراء والمقارئ بالديار المصرية في زمنه/ محمد بن أحمد المتولّي, والإسناد الذي يمرّ بعبد الله بن عبد العظيم الدسوقي (شيخ القراء بدسوق).
فأما الإسناد الأول؛ فمِن أشهر القراء المعاصرين الذين يمر إسنادهم بالمتولي:
- عليّ بن محمد الضبّاع (شيخ عموم المقارئ المصرية في زمنه), وهو قد قرأ على عبد الرحمن بن حسين الخطيب (الشهير بـ: الشَّعَّار) وحسن بن يحيى الكَتْبِي, وهما على المتولّي.
- أحمد بن عبد العزيز بن أحمد بن محمد الزّيّات القاهري, وهو قد قرأ على عبد الفتاح هُنَيْدي وخليل بن محمد الجَنَايني, وهما على المتولي.
- عامر بن السيد بن عثمان المصري (شيخ عموم المقارئ المصرية في زمنه), وهو قد قرأ على همّام بن قطب بن عبد الهادي الزاهر المصري, وهو على غُنَيْم بن محمد بن غنيم المصري, (ح) وقرأ على إبراهيم بن مُرسي بن بكر الأبناسي المصري, وقرأ هو على عليّ بن عبد الرحمن سُبَيْع المصري. وقرأ غُنَيْم وعلي سبيع على حسن بن محمد بُدَير الجُرَيْسِي الكبير المصري, وهو على المتولي.
- محمود بن خليل الحُصَري (شيخ عموم المقارئ المصرية في وقته, والقارئ المشهور), وهو قد قرأ على الضّبّاع وعامر السيد عثمان.
- إبراهيم بن علي بن علي بن شحاتة السمنّودي, وهو قد قرأ على حنفي بن إبراهيم السقا, وهو على خليل الجنايني.
- عبد الفتاح بن عبد الغني القاضي, وهو قد قرأ على همام بن قطب.
وقد قرأ المتولي على أحمد بن محمد الدُّرِّيّ المصري (الشهير بـ: التِّهامِيّ), وهو عن أحمد بن محمد المصري (المعروف بـ: سَلَمُونة), وهو على إبراهيم بن بَدَوي بن أحمد العُبَيْدي المصري, وهو على عبد الرحمن بن حسن بن عمر الأُجْهُوري المصري, وهو على أبي السَّمَاح أحمد بن رجب البَقَري المصري, وهو على شمس الدين أبي الإكرام محمد بن قاسم البقري القاهري المصري, وهو على زين الدين عبد الرحمن بن شِحَاذَة اليَمَنِي(3) المصري, وهو قرأ على والده من أول القرآن إلى قول الله -سبحانه وتعالى- في سورة النساء: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا}, ثم توفي والدُه فاستأنف ختمةً على تلميذِ والدِه أحمد بن أحمد بن عبد الحق السُّنْبَاطي المصري, وقد قرأ شِحَاذَة اليمني على ناصر الدين محمد بن سالم الطَّبْلاوي المصري, وهو على أبي يحيى زين الدين زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاري السُّنَيْكِي المصري, وهو على زين الدين أبي النَّعِيم رضْوان بن محمد العُقْبي وطاهر بن محمد بن علي النُّوَيْري وشهاب الدين أبي العباس أحمد بن أَسَد بن عبد الواحد الأُمْيُوطِي المصري وشهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن يوسف القَلْقِيلِي الإسكندري, أَرْبَعَتُهُم على أبي الخير شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن الجَزَري الدمشقي ثم الشيرازي (إمامِ الفن), (ح) وقرأ عبد الرحمن بن شِحَاذَة على نور الدين علي بن محمد بن غانم المَقْدِسي الأنصاري الخزرجي القاهري, وهو على أبي الجُود محب الدين محمد بن إبراهيم السَّمَدِيسي المصري, وهو على الأُمْيُوطي, وهو على ابن الجزري. وقد ذكر ابنُ الجزري أسانيدَه إلى القراء العشر في أول كتابِه: "النشر".
وأما الإسناد الثاني؛ فمن أشهر الذين يمر إسنادهم بالدسوقي:
- محمد بن عبد الحميد الإسكندري (شيخ قراء الإسكندرية), وهو قد قرأ على محمد بن عبد الرحمن الخَلِيجِيّ, وهو على عبد العزيز بن علي بن كُحَيْل, وهو على عبد الله بن عبد العظيم الدُّسُوقي.
- نفيسة بنت أبي العلا بن أحمد بن محمد الإسكندرانية, وهي قد قرأت على عبد العزيز بن كحيل.
- تلاميذ الفاضلي علي أبو لَيْلَة الدسوقي, وهو قد قرأ على عبد الله الدسوقي.
وقد قرأ عبد الله الدسوقي على عليّ الحدَّادي الأزهري المصري, وهو على إبراهيم العُبَيْدي.
ثانيًا- أسانيد قرّاء الشام:
إنّ أغلب أسانيدِ قراءِ الشام تمرُّ بشيخ قرّاء الشام في زمانه/ أحمد بن محمد علي الرفاعي الحُلْواني الدمشقي (المعروف بـ: أحمد الحلواني الكبير؛ فرقًا بينه وبين حفيدِه أحمد بن محمد سليم الحلواني المعروف بأحمد الحلواني الصغير).
وأشهر القراء المعاصرين وأعلاهم سندًا ممن يمر إسنادهم بأحمد الحلواني الكبير هم:
- عبد العزيز بن محمد علي عيون السود الحِمصي (شيخ القراء بحِمْص).
- أحمد بن محمد سليم الحلواني الدمشقي(4).
- محمود فايز الدَّيْرعَطَاني.
- حسن دمشقية.
- بكري بن عبد المجيد الطّرَابيشي الدمشقي.
- محمد كُرَيّم راجح (شيخ القراء بدمشق).
- عبد الوهاب دِبْس وَزَيْت.
- حسين خطّاب (شيخ القراء بدمشق).
وكلُّهم قرؤوا على محمد سَلِيم بن أحمد الرفاعي الحُلْواني الدمشقي (شيخ قراء الشام في زمنه)(5), وهو على والده أحمد بن محمد علي الرفاعي الحلواني الدمشقي (شيخ قراء الشام في زمنه), وهو على أحمد بن رمضان المَرْزُوقي الحَسَني المصري ثم المَكِّي (شيخ القراء بمكة المكرمة), وهو عن إبراهيم العُبَيْدي.
ثالثًا- أسانيد الهند:
أكثر أسانيد الهند وعددٍ من البلاد الأوروبية والآسيوية تمرّ بعبد الخالق المُنُوفيّ الأزهري المصري (شيخ القراء بالديار الهندية), وهو قد قرأ على محمد بن قاسم البقري الأزهري.
ولقلّة عِلْمِي بأكثرِ الرواةِ عن المنوفي شُهرَةً لم أذكُر تحتَه أحدًا؛ بانتظار أن أقوم بالبحث عن ذلك.
فائدة:
أعلى أسانيد القراءات العشر الكبرى في زماننا -بشرط قراءةِ القرآن بها كاملاً- أن يكون بين الراوي وبين الإمام ابن الجزري 12 رجلاً. ومِن هؤلاء: علي الضبّاع, وأحمد الزيات, ومحمد بن عبد الحميد الإسكندري.
وأعلى أسانيد القراءات العشر الصغرى -بالشرط السابق- أن يكون بين الراوي وبين الإمام ابن الجزري 11 رجلاً. ومن هؤلاء: تلاميذ محمد سليم الحلواني, وتلاميذ الفاضلي أبو ليلة.
وهذا علوٌّ نسبيٌّ -كما هو معلوم-. وابنُ الجزري هو أنسَبُ مَن يُمْكِنُ أن يُحسبَ العلوُّ النسبيُّ إليه؛ لأن أسانيدَ كلِّ القراءاتِ تمرُّ به, ولأنك لا تكادُ تجد إسنادًا مِن أسانيدِ المشرق أو المغرب إلا ويمر به.
وأما العلو المطلق فهذا يختلف مِن روايةٍ إلى أخرى؛ فليس العدد في ذلك ثابتًا.
تنبيه:
لَمْ أذكر تفصيلَ ما قرأه كلُّ راوٍ على شيخِه, إلا أن كلّ مَن ذُكِرَ -إلا النادر - قرؤوا على شيوخهم القراءات العشر الصغرى, وأما بالنسبة للقراءات العشر الكبرى فالأمر مختلف؛ فبعضُهم قرأ بها على شيخه وبعضهم لم يقرأ, حتى إن قراء الشام لَم يَقرؤوا على الشيخ محمد سليم الحلواني بالعشر الكبرى, ولا هو قرأ بها على والده, فالأمر -إذن- يحتاج إلى تفصيل, وأنا كتبتُ هذا الموضوع على شيء مِن العُجالةِ, ولعلي في قادِمِ الأيامِ -إن شاء الله- أبيّن ذلك.
وَمَن أراد الاستفسار عن شيء من هذا قبل إضافةِ ذلك إلى الموضوع فليكتب لي. وأيضًا مَن كان لديه استفسار حول ما يتعلق بالأسانيد القرآنية عمومًا فليتفضل به.
وقل الختام أكرر ما أشيرُ إليه في كثير من المناسبات؛ وهو أن أكثرَ مَن ذكرتُ أسماءَهم في الأسانيد الآنفة الذكر ليسوا مِن أهل السنّة, وإنما هم إما متصوِّفة وإما أشاعرة وإما ماتريدية وإما غيرُ ذلك, ولا سيما المتأخرون, فلتكُن مِن هذا على ذُكرٍ.
ولذا أكرر نصيحتي لكم يا أهل السنة أن تهتمّ طائفةٌ منكم بهذا العلم؛ حتى نغني الناسَ عن أهلِ البدع.
وإلى هنا ينتهي ما أردتُ بيانَه, ولعل لي عودةً -إن شاء الله- إلى هذا الموضوع بزيادات وإضافاتٍ -وخاصة تواريخ الوفيات(6)-.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا.
________________________
(1) واقتصرتُ على أسانيد مصر والشام والهند لأن أكثر أسانيد قراء العالم تدور عليها.
(2) وذلك لأن كثيرًا من الشيوخ لا يعتنون بضبط الأسماء عند ذِكْرَها في الإجازات أو غيرها؛ مما أدّى إلى كثرةِ وقوعِ اللحنِ في بعض الأسماء.
(3) نسبةً إلى (كَفْر اليَمَن) بمصر, وليس إلى بلاد اليمن.
(4) ومِن تلاميذه: محمد كُرَيِّم راجح (شيخ القراء بدمشق), وحسين خطّاب (شيخ القراء بدمشق), وأبو الحسن محي الدين بن حسن الكُرْدي.
(5) ولكن الأربعة الأُوَل قرؤوا عليه القراءات العشر من طريقي "الشاطبية" و"الدرة", وأما الباقون فقرؤوا عليه السبع من طريق "الشاطبية", وقرؤوا بالعشر على غيرِه -كأحمد الحلواني الصغير, ومحمود الديرعطاني-.
(6) كنتُ قد جمعتُ ما تيسر لي مِن تواريخ الوفيات في وُرَيْقاتٍ, ولكن ضاعَت مِنّي –
والله المستعان-, ولا أجد الوقت الكافي -حاليا- لإعادة جمعِها مِن جديد.
لمتابعة جديد الموضوع: http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=37449
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.